الداء من أصله، وهو التحرز من ذلك الحرف الذي يحمل تلك الشناعة، وهو حرف الراء.
ويوضح الجاحظ علة التجاء واصل إلى مجانبة الراء بقوله: "ولما علم واصل بن عطاء أنه ألثغ فاحش اللثغ، وأن مخرج ذلك منه شنيع، وأنه إذا كان داعية مقلة ورئيس نحلة، وأنه يريد الاحتجاج على أرباب النحل وزعماء الملل، وأنه لا بد من مقارعة الأبطال ومن الخطب الطوال، وأن البيان يحتاج إلى تمييز وسياسة وإلى ترتيب ورياضة، وإلى تمام الآلة وإحكام الصنعة، وإلى سهولة المخرج وجهارة المنطق، وتكميل الحروف وإقامة الوزن، وأن حاجة المنطق إلى الحلاوة والطلاوة كحاجته إلى الفخامة والجزالة، وأن ذلك من أكثر ما تستمال به القلوب وتثني إليه الأعناق، وتزين به المعاني، ولم واصل أنه ليس معه ما ينوب عن البيان التام واللسان التمكن والقوة المتصرفة، كنحو ما أعطى الله تبارك وتعالى نبيه موسى عليه السلام من التوفيق والتسديد ...
ومن أجل الحاجة إلى حسن البيان وإعطاء الحروف حقها من الفصاحة رام أبو حذيفة إسقاط الراء من كلامه، وإخراجها من حروف منطقه، فلم يزل يكابد ذلك ويغالبه، ويناضله ويساجله، ويتأنى لستره والراحة من هجنته، حتى انتظم له ما حاول، واتسق له أمل. ولولا استفاضة هذا الخبر وظهور هذه الحال حتى صار لغرابته مثلاً، ولطرافته معلما، لما استجزنا الإقرار به والتوكيد له. ولست أعني خطبه المحفوظة، ورسائله المخلدة، لأن ذلك يحتمل الصنعة، وإنما عنيت محاجة الخصوم، ومناقلة الأكفاء، ومفاوضة الإخوان".