الغطاء وتبحبحوا فِي دَار الْملك وَزَالَ عَنْهُم رق العبودة وَصَارَ الْأَمر جَهرا وزاروا الله فِي دَاره طرقهم النّظر إِلَيْهِ وَاحْتِمَال لَذَّة كَلَامه أفْضى إِلَيْهِم الْأَسْرَار الَّتِي طواها عَنْهُم قَالَ ابْن عَبَّاس (رَضِي الله عَنْهُمَا) : تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة: {قَالَ رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك} فَقَالَ:
(قَالَ يَا مُوسَى إِنَّه لَا يراني حَيّ إِلَّا مَاتَ وَلَا يَابِس إِلَّا تدهده وَلَا رطب إِلَّا تفاق إِنَّمَا يراني أهل الْجنَّة الَّذين لَا تَمُوت أَعينهم وَلَا تبلى أَجْسَادهم) فقد أعلمك سَبَب عدم الرُّؤْيَة فِي دارالفناء وَألقى عذره إِلَى مُوسَى حَيْثُ قَالَ {وَلَكِن انْظُر إِلَى الْجَبَل فَإِن اسْتَقر مَكَانَهُ فَسَوف تراني}
فَحل بمُوسَى من الصَّعق مَا حل بِالْجَبَلِ من الدك مَا حل يُعلمهُ أَنه لَا يطيقه احْتِمَاله وَلذَلِك قَالَ (تبت إِلَيْك) لِأَنَّهُ سَأَلَهُ ذَلِك من دَار فانية قذرت بالشرك والمعاصي لشفوفه بربه وزلة عقله فلطف الله لَهُ إِلَى أَن ألْقى إِلَيْهِ عذره فِي ترك إجَابَته وألجأه إِلَى التَّوْبَة إِذْ تبين لَهُ حَتَّى فزع إِلَى التَّنْزِيه لَهُ وَإِلَى التَّوْبَة
وَذهب قوم من الغلاة المعطلة إِلَى أَن الله تَعَالَى لَا يرى فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} وَزَعَمت أَن هَذِه صفة من صِفَاته فَلَا تنسخ وَلَا تَتَغَيَّر صفته فَيكون فِي الدُّنْيَا بِخِلَاف مَا فِي الْآخِرَة
فَلَمَّا قيل لَهُم فَمن عطل صفة من صِفَاته أَلَيْسَ قد انْقَطع نظام توحيده لِأَن الْعباد وحدوا رَبًّا بِجَمِيعِ صِفَاته فَإِذا عطلت صفة فقد