وَقد علم الله من الْعباد أَنهم سيخلطون هَذَا التَّسْلِيم بتضييع أُمُوره فافترض عَلَيْهِم الْقيام بَين يَدَيْهِ عبودة وتذللا معتذرين مِمَّا ضيعوا فقد قَامَ العَبْد مقَاما جمع جوارحه المنتشرة فِي مراعيها بَين يَدَيْهِ قد أَزَال سَمعه عَن الْأُمُور وَالنَّاس وبصره عَن النّظر إِلَيْهِم وَلسَانه عَن خطاب الْخلق وَيَده عَن الْقَبْض والبسط وَرجله عَن الْمَشْي وبطنه عَن الطَّعَام وفرجه عَن الاعتمال فَهَذَا من العَبْد تَسْلِيم إِلَى الله مُسْتَقْبلا معتذرا بالثناء وَالرُّكُوع وَالسُّجُود مترضيا لَهُ حَتَّى يرجع من عِنْده على تَجْدِيد إِسْلَامه ومزيد من فضل الله وَرَحمته فعبد أدّى فَرَائِضه على هَذِه الصّفة من المطالعة وَالْعلم واليقظة والانتباه وَآخر أَدَّاهَا تعبدا وَهَذَا كُله مَسْتُور عَنهُ فَمَتَى يلْحق هَذَا ذَاك
وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الرجلَيْن ليكونان فِي صَلَاة وَاحِدَة فِي سقف وَاحِد وكما بَين صلاتيهما أبعد مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
فالحكمة مَوْجُودَة فِي جَمِيع الْأَعْمَال وعللها قَائِمَة لَا يعلمهَا إِلَّا أَهلهَا وهم قوم تخلصت قُلُوبهم من ظلمَة الشَّهَوَات وَخَرجُوا إِلَى الْبُرْهَان الْعَظِيم وَإِلَى النُّور الْأَعْظَم
وَأما الْمُتَشَابه فأسرار الله الَّتِي طواها عَن الْعباد وأسرار الرُّسُل الَّتِي أفضاها إِلَيْهِم وطواها عَن الْعباد وأسرار الْأَوْلِيَاء الَّتِي أفضاها إِلَيْهِم وطواها عَن سَائِر الْمُوَحِّدين فَهَذِهِ أَشْيَاء قد اشْتبهَ على الْخلق لعجزهم عَن احتمالها فالمقتصر على محكمه لَا يتَعَدَّى إِلَى مَا شبه عَلَيْهِ بل يقْتَصر عَنهُ على الْمُحكم فَإِن الْحَاجة بِهِ إِلَى الْمُحكم والمتشابه زِينَة الْمُحكم طواها الله عَن الْعباد لعجزهم عَن احتمالها حَتَّى إِذا انْكَشَفَ