خَرجُوا سُودًا عميا عَن الله فأقروا بِهِ كرها على وَجه التقية وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَله أسلم من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها}

كَذَلِك هَؤُلَاءِ الموحدون أَعْطَاهُم كلهم آلَات الطَّاعَة فِي الْبَاطِن من الْعلم والذهن وَالْعقل ثمَّ لم يعطهم مَا بِهِ يبذلون أنفسهم لَهُ حَتَّى لَا يشاءون شَيْئا إِلَّا مَا شَاءَ الله من أجل الشَّهَوَات الَّتِي ركبت فيهم لِأَن للشهوات حلاوة وَإِنَّمَا أعطي ذَلِك من يذل نَفسه لله وَقطع عَن نَفسه حب الشَّهَوَات مُجَاهدًا لنَفسِهِ مُحَاربًا لهواه مَادًّا بِقَلْبِه إِلَى ربه ضرعا باكيا تجْرِي دُمُوعه على خديه فَمرَّة يجثو وَمرَّة ينْتَصب وَمرَّة يضع خَدّه بِالْأَرْضِ وَمرَّة يَدْعُو وَمرَّة يتملق حَتَّى رَحمَه ربه واطلع على صدق بذله فَمن عَلَيْهِ بذلك الْحبّ الَّذِي هُوَ أصل الْحبّ عِنْده فأحياه بذلك وأذاقه من حلاوته مَا جرف كل حلاوة فِي نَفسه كالسيل الَّذِي يَجِيء فَيجْرِي بالكناسات وَمَا فِيهَا وبالمزابل بِمَا فِيهَا من الأقذار وَالْمَيتَات فَصَارَت بقاعا طَاهِرَة فَكَذَلِك صدر هَذَا العَبْد بِمَا نَالَ من هَذَا الْحبّ فَذَهَبت مشيئآته بحب خالقه فَصَارَ مَأْذُونا بِجَمِيعِ مَا فِيهِ من الْأَشْيَاء الْمَوْضُوعَة فِيهِ حَتَّى أينعت ثمراتها ونورت عمالاتها على الْجَوَارِح ثمَّ صيره فِي أَحْوَال الدُّنْيَا مقسمًا على ربه فِي ملكه قَالَ الله تَعَالَى {أهم يقسمون رَحْمَة رَبك نَحن قسمنا بَينهم معيشتهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا}

فرتب لتارك الْمَشِيئَة مرتبَة الْقِسْمَة أَن يتَنَاوَل من ملكه حَاجته من خَزَائِن تِلْكَ الْحَاجة بِقَلْبِه ثمَّ يرفعهُ إِلَى ربه متمسكا ينْتَظر مَشِيئَته فَيجْعَل الرب مَشِيئَته فِي مَشِيئَة عَبده فَذَلِك قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أقسم على الله لأبر قسمه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015