فَإِن كَانَ من حجَّة العَبْد أَن يَقُول وضعت فِي الْعقل وَالْعلم وَالْقُوَّة والحياة وَلَكِن حبست عني الْإِذْن وَهَذِه الْأَشْيَاء كلهَا جنود الْقلب وَالْقلب أَمِير فَمن حجَّة الرب تَعَالَى أَن يَقُول إِنِّي وضعت هَذَا فِيك لتَكون النَّفس لي وقائمة بَين يَدي فخانت وزاغت وَلم تنظر إِلَى مشيئتي وتدبيري الَّذِي سبق خلقهَا
والخائن كَالْعَبْدِ الْمَحْجُور يُطلق لَهُ الْإِذْن فِي شَيْء وَلَا يُطلق فِي شَيْء لِأَنَّهُ يفْسد وَلَا يضْبط قَالَ تَعَالَى فِي تَنْزِيله {وَمَا كَانَ لنَفس أَن تَمُوت إِلَّا بِإِذن الله}
فالإذن للنَّفس بِمَا وضع فِيهَا فَإِن قَالَ العَبْد مخاصما فَهَل أقدر أَن أبذل نَفسِي وأترك مشيئتي إِلَّا بِمَا تُعْطِينِي فَإنَّك وضعت فِي الشَّهَوَات وَإِنَّمَا زاغت بِي حلاوة شهواتي وَقُوَّة هواني فَمن حجَّة الرب تَعَالَى أَن يَقُول أَعطيتك حلاوة معرفتي وَقُوَّة الْحَيَاة بِي وقائمة من عِنْدِي وتعلقا بحبلي فَهَلا جررت حلاوة شهواتك إِلَى حلاوة معرفتي بِقُوَّة تِلْكَ الْحَيَاة وبثبات تِلْكَ الْقَائِمَة ورسوخ قدمك فِي الْقَائِمَة حَتَّى تنغمر حلاوة شهواتك فِي حلاوة معرفتي وتعلقك بحبلي حَتَّى لَا يقدر الْهوى أَن يمد بك فههنا تَنْقَطِع الْحجَّة وتتحير العبيد فالمؤمنون من الله عَلَيْهِم فِي السّير بمشيئته وَلَيْسَ لأحد فِي الْمَشِيئَة مُنَازعَة أَن يَقُول لم شِئْت لفُلَان وَلم تشأ لي وَكَذَلِكَ الْمحبَّة فخلق الله الْخلق فِي ظلمَة ثمَّ رش عَلَيْهِم من نوره فَلَمَّا أصَاب من أصَاب بمشيئته وَأَخْطَأ من أَخطَأ بمشيئته فقد علم من يُصِيبهُ مِمَّن يخطئه فَلَمَّا أبرز السُّلْطَان النَّفر الَّذين لم ينالوا من ذَلِك الرش شَيْئا فتباعدوا فَلَمَّا خَرجُوا من صلب آدم عَلَيْهِ السَّلَام