بِهَذِهِ الصّفة كَانَ أَشد وَأقوى من الْأَرْضين وَالْجِبَال وَالْحَدِيد وَالنَّار وَالْمَاء وَالرِّيح فَهُوَ أَشد خلق ربه لِأَن ذَلِك الْهم هم النَّفس من أَحْوَال الدُّنْيَا يطرد النّوم وينفيه وهم الْقلب من أَحْوَاله فِي الملكوت يطرد عَنهُ النّوم نوم الْقلب ونوم الْعين فالهم قد غلب هَذِه الْأَشْيَاء
فَلذَلِك قَالَ ابْن مَسْعُود لعمر رَضِي الله عَنْهُمَا إِنَّا نجد أَن عمل الْمُؤمن فِي يَوْم وَاحِد أثقل من سبع سموات وَسبع أَرضين
وَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِيمَا رُوِيَ عَنهُ يَا رب إِنِّي أجد صفة قوم فِي قُلُوبهم من النُّور أَمْثَال الْجبَال الرواسِي تكَاد الْبَهَائِم تَخِر لَهُم سجدا إِذا رأتهم من النُّور الَّذِي فِي قُلُوبهم قَالَ يَا مُوسَى تِلْكَ قُلُوب طوائف من أمة مُحَمَّد إِنَّمَا بلغُوا ذَلِك بِإِقْبَالِهِمْ على أنفسهم وذمهم لَهَا وَإِنَّمَا هلك من هلك من قَوْمك بالعجب بِأَنْفسِهِم
وَرُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن لله مَلَائِكَة موكلين بأرزاق بني آدم ثمَّ قَالَ لَهُم أَيّمَا عبد وجدتموه جعل الْهم هما وَاحِدًا فضمنوا رزقه السَّمَوَات وَالْأَرضين وَالطير وَبني آدم
فَأَما قَول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِن الله يقسم الثَّنَاء كَمَا يقسم الرزق فَإِنَّمَا يقسم الثَّنَاء على الْقُلُوب على أقدار مَحل الْعباد عِنْده وَإِنَّمَا يحل الْعباد عِنْده حَيْثُ يحلونَ رَبهم عز وَجل من قُلُوبهم
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحب أَن يعلم مَا مَنْزِلَته عِنْد الله فَلْينْظر مَا منزلَة ربه عِنْده فَإِن الله ينزل العَبْد من نَفسه حَيْثُ أنزلهُ العَبْد من قلبه
فقلوب الْخلق فِي قَبضته وَبَين اصبعين من أَصَابِعه فَيرى الْقُلُوب مَحل العَبْد من صدق العبودة حَتَّى يُحِبهُ العبيد وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى إِن الَّذين