بَينه وَبَين أَخْلَاق إِبْلِيس وَإِن من أَخْلَاق إِبْلِيس أَن يغْضب فَلَا يرضى وَأَن يسمع فيحقد وشراهية النَّفس وهنتها وَأخذ مَا لَيْسَ لَهَا ونزقها إِلَى اللَّهْو وَالْبَاطِل إِلَّا وَإِن إِبْلِيس لَيْسَ هُوَ على أحد أَشد مِنْهُ على الْقُرَّاء الَّذين هم عِنْد أنفسهم قراء لَا يزَال فِيمَا بَينهم يذهب وَيَجِيء حَتَّى يُورث بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء فَلَو قلت حَقًا مَا أقل من يجْتَمع مِنْهُم غَدا فِي الْآخِرَة إِلَّا قوم عطف بَعضهم على بعض وَتركُوا الحقد وَالْغَضَب وألحوا فِي الطّلبَة إِلَى الله أَن يقبلهم وَيقبل معذرتهم

قَالَ أَبُو عبد الله فالأخلاق مَوْضُوعَة فِي الطَّبْع ومعقلها فِي الصَّدْر وَمثل ذَلِك مثل ملك لَهُ خزانَة وقواد ومملكة فَإِن كَانَت الخزانة قَليلَة كنوزها وكورته صَغِيرَة ضَاقَ بهؤلاء القواد وَقَالَ بَعضهم لبَعض هَذَا ملك لَهُ اسْم الخزانة والكنوز وَلَيْسَ لكنوزه مَادَّة يجْرِي علينا ويعيننا حَتَّى نتَّخذ عدَّة لِلْعَدو الَّذِي بِمَرْصَد منا وَمن ملكنا هَذَا وَلَيْسَت لَهُ مملكة فسيحة تَنْتَشِر فِيهَا فَيَأْخُذ كل قَائِد منا نَاحيَة من المملكة فيدبر أَمر الْملك فِي أهل ناحيته فتعالوا ننتقل عَن هَذَا إِلَى ملك لمملكته فسحة ومنتشر فنتسع فِي نَوَاحِيهَا فيقود الجيوش إِلَى أَعمالنَا فَإِن الْعَدو بِمَرْصَد وَلَا نَأْمَن أَن ينتهز منا فرْصَة فالملك هُوَ الْقلب وخزانته جَوف الْقلب فِيهِ كنوز الْمعرفَة وجواهر الْعلم بِاللَّه وَالْعقل وزيره والصدر فسحته وساحته ومملكته والأخلاق قواده والأركان رَعيته ونواحيه وَهِي الْجَوَارِح السَّبع فَهَؤُلَاءِ القواد هم الْأَخْلَاق فِي الصَّدْر قواد الْملك قيام بَين عَيْني الْفُؤَاد وَالْعقل شعاعه يشرق بَين عَيْني الْفُؤَاد يدبر أَمر الْقلب وَالنَّفس فِي الْجوف رابضة فِي مَكَانهَا تطلب الْملك وترصد لإنتهاز الفرصة ليخرج على الْملك لِأَن شَهْوَة الإمرة فِيهَا والهوى بِبَاب النَّفس يتلهف عطشا ويتلظى بَين يَدي بَصِيرَة النَّفس وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِن النَّفس لأمارة بالسوء} وَهِي أبدا فِي طلب الْإِمَارَة لتتملك وتتأمر على الْجَوَارِح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015