قَوْله تجملا فِي فاقة رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا ثائرا شعره فَقَالَ لم يشوه أحدكُم نَفسه وَرَأى آخر فِي ثِيَاب وسخة فَقَالَ أما يملك هَذَا مَا يغسل ثِيَابه وَقَالَ إِن الله نظيف يحب النَّظَافَة وَقَالَ نظفوا أفنيتكم فَإِن الْيَهُود لَا ينظفون
فالفقير صَاحب الْفَاقَة إِذا كَانَ حَيّ الْقلب صَاحب تقوى وجدته فِي نظافة وهيئة من نظر إِلَيْهِ لم يوحشه وَمن جالسه لم يثقل عَلَيْهِ وَلم يتأذ بِهِ يَأْخُذ شعره ويقلم أظافره وَيغسل أدرانه ويبيض أثوابه ويتطيب وينظف مَجْلِسه ويكنس بَيته وَلَيْسَ لذَلِك كثير مُؤنَة وَإِنَّمَا يهملها من يهملها لنذالة النَّفس ودناءتها لَا لِأَنَّهُ لَا يجد وَالْقلب إِذا مَاتَ لم يلْتَمس النظافات والطهارات
وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرْبط الْحجر على بَطْنه من الْجُوع وَلَا يتْرك الطّيب ويعاهد أَحْوَال نَفسه
وَكَانَ لَا تُفَارِقهُ الْمرْآة والسواك والمقراض فِي السّفر والحضر
وَكَانَ إِذا أَرَادَ أَن يخرج إِلَى النَّاس نظر فِي ركوة فِيهَا مَاء فيسوي من لحيته وَشعر رَأسه وَيَقُول إِن الله جميل يحب الْجمال
عَن مَكْحُول عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَمن أغفل ذَلِك وَرفع البال عَن نَفسه سَاءَ منظره ووحشت هَيئته فَأدْخل على إخوانه من الْمُؤمنِينَ الْغم والهم من أَجله وَكَانَ ذَلِك كالشكوى إِلَى الْعباد من ربه وَإِذا تجمل فِي فاقته كَانَ كالكاتم مصيبته الشاكر لرَبه المتحمد إِلَى خلقه