لزم الدور المذكور، وإن لم يكن بناءً على ذلك بل بمجرد الاستحسان والميلان فهو باطل؛ لأن الصحابة أجمعت على استحسان منع الحكم من غير دليل وحجة، لأنهم مع كثرة وقائعهم تمسكوا بالظواهر والأشباه وما نقل عن أحد منهم الرجوع إلى الاستحسان، ولو كان مدركًا من المدارك ما كان كذلك، ولهذا لما سأل الرسول عليه السلام معاذًا عن مدارك الأحكام ما ذكره.

فإن قلت: فقد ذكر اجتهد رأيي وهو يتناول الاستحسان.

قلت: المراد منه القياس وفاقًا، وهو غيره عندهم فلا يكون متناولًا له.

وبالجملة نحن نعلم علمًا يقينيًا أنه لو قال واحد في زمان الصحابة -رضي الله عنهم- حكمت أو أفتيت بكذا لأني استحسنته لشددوا عليه الإنكار ونسبوه إلى الجهل وغيره وقالوا: من أنت حتى يكون استحسانك شرعًا ويكون لنا شارعًا.

ورابعها: إجماع الأمة، فإنهم أجمعوا على استحسان دخول الحمام من غير تقدير أجرة وعوض الماء، ومن غير تقدير مدة اللبث فيه، ومن غير تقدير الماء وكذا استحسنوا شرب الماء من غير تقدير الماء وعوضه، فلولا أنه حجة لزم اتفاقهم على الباطل إذ الحكم من غير دليل باطل.

وجوابه: أنه لا نزاع أنهم استحسنوا ما ذكرتم، لكن لا نسلم أن ذلك هو الدليل على صحته بل كان استحسانهم لذلك على دليل وهو: إما جريان ذلك في عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع علمه به وتقريره لهم عليه، أو غير ذلك مما لا يخفى على المتأمل تقريره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015