وثالثها: أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين الخوض والنظر في المسائل الكلامية أصلاً، ولو وجد ذلك منهم لنقل كما نقل كما نقل عنهم في المسائل الخلافية الفرعية [ولو كان النظر فيها واجبا لكانوا أولى بالمحافظة عليه كن غيرهم، ولكان النظر فيها أوجب من النظر في المسائل الفرعية]، ضرورة أنه فرض عين والنظر في المسائل الفرعية فرض كفاية.
وجوابهما: أنا لا نسلم أنهم ما كانوا يعلمون ذلك بالدليل، بل كانوا يعلمون ذلك به.
وبيانه من حيث الاجمال والتفصيل.
أما الأول: فلأن ذلك يقتضى نسبة الصحابة إلى الجهل بمعرفة الله تعالى مع أن الواحد منا عالم بذلك وهو ممتنع.
وأما من حيث التفصيل: فلأن العلم بوجود مركز في النفس كما قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} وذلك بسبب الاستدلال بحدوث الحوادث على وجود المحدث، فإن الإنسان في أول نشوه يشاهد أشياء تحدث، فيستدل بها على وجود الصانع، والاستدلال به على وجود الصانع جلى لا يخفى على أحد ولو أنه في غاية الغباوة فلا يكون العلم بوجوده تقليدًا، نعم قد يصعب النظر فيدق في أن ذلك المحدث ممكن أو واجب وعلى التقديرين إما موجب أو مختار، فإن معرفته تتوقف على معرفة بطلان الدور والتسلسل، وعدم تخصص الأثر بشكل معين وقدر مخصوص وفيهما أبحاث دقيقة قد تخفي على أكثر الناس، لكنا لا نشترط ذلك في صحة الإيمان فإن المعتبر في ذلك العلم في الجملة الذى تسكن به نفوس أكثر الناس لا العلم التفصيلي.