ثم إن لم يوجب عليه الاجتهاد تخير في الاخذ بقول أيهم شاء، وإن أوجب ذلك عليه فإن اجتهد وترجح عنده أحدهم مطلقا وجب الأخذ بكلامه ولا يجوز/ (323/ أ) العدول عنه، كما لا يجوز للمجتهد العدول عن الإمارة الواجبة، وإن استووا ولم يظهر رجحان واحد منهم قال الامام: فها هنا طريقان:
أحدهما:. أن يقال: هذا لا يجوز وقوعه، كما لا يجوز استواء أمارتي الحل والحرمة.
وهذا غير مرضى؛ لأنه لا نزاع في جواز تساوى الأمارتين في الذهن، وإنما النزاع في تساويهما في الخارج، وما نحن فيه من قبيل القسم الأول لا الثاني؛ لأنا فوضنا استواءهم بالنسبة إلى ذهنه واعتقاده، ولا يقتضي ذلك تساويهما في الخارج.
وثانيهما: أن يقال بتقدير الوقوع سقط عنه التكليف، لأنا جعلنا له أن يفعل ما شاء.
وهذا الأخر أيضًا غير مرضي، لأن التخيير بين الشيئين لا يوجب سقوط التكليف كما في الواجب المخير، والواجب الموسع، بل الذي أن يقال: إنه يتخير في الأخذ بأيهما شاء، أو التوقف إلا أن يظهر رجحان أحدهم، أو يظهر مفتي آخر يوافق أحدهم فيأخذ به للكثرة، أو يكون أرجح منهم فيأخذ بقوله وإن لم يوافق واحدًا منهم.
وقيل يتخير في الأخذ بأيهما شاء.
فإن ترجح كل واحد منهم على الآخر من وجهٍ دون وجهٍ فها هنا صور:
إحداها: أن يحصل الاستواء في الدين والزيادة في العلم: فالأصح أنه يجب الأخذ بقول الأعلم، لمرتبته، ولهذا يقدم في الإمامة في الصلاة، ولأن الظن الحاصل بقوله كثو فكان الأخذ بقوله واجبًا.