القول في الدين بمجرد التشهي باطل بالإجماع فيتعين أن يكون ذلك بناء على طريق، فذلك الطريق إن كان خاليا عن المعارض تعين الحكم بمقتضاه وفاقا فيكون المخالف لذلك مخطئا فلم يكن مجتهد مصيبا، وإن لم يكن خاليا عنه فذلك المعارض إن كان راجحا عليه وجب العمل بمقتضاه، لإجماع الأمة على وجوب العمل بالراجح فيكون مخالفه مخطئا، وإن لم يكن راجحا فإن كان هو راجح عليه تعين العمل به فيكون مخالفه مخطئا، وإن لم يكن منهما راجحا فهما حينئذ متعارضان متساويان وحكم ذلك إما التخيير، أو التساقط، والرجوع إلى غيرهما، وعلى التقدير فحكمه معين فمن حكم بخلاف ذلك كان مخطئًا فثبت أن المصيب واحد على كل التقادير.
وأما ما يقال: إن القول في الدين بمجرد التشهي باطل إذا كان هناك دليل، فأما إذا لم يكن هناك دليل فلا نسلم امتناعه فلم لا يجوز حيذ القول بمجود الحدس والتخمين ولا دليل في المسائل الاجتهادية، بدليل أنه لا إثم فيه ولا عقاب، ولو كان فيها دليل لكان مخالفه مستحقا له لما سبق أن مخاوف الأمر مستحق للعقاب فضعيف، لأنه إن عنى بالدليل ما يفيد القطع لم يلزم من عدمه جواز القول بالحدس والتخمين، لجواز أن يكون القول في الدين مشروطًا بما يفيد القطع أو الظن، وإن عنى به ما يفيد القطع أو الظن لم يلزم من مخالفته عقاب لأن من ترك الدليل الظني لدليل ظني آخر لم يستحق العقاب، ولو سلم أنه لا دليل في المسائل الاجتهادية بالمعنى الثاني لكن القول في الدين بمجرد الحدس والتخمين باطل بالإجماع سواء وجد هناك ما يفيد القطع أو الظن أو لم يوجد، واعلم أنه لا يخفى عليك الاعتراض على هذا الدليل مما سبق.