وأما أن البديهيات تترجح على الحسيات، أو الحسيات تترجح على البديهيات فهذا في محل النظر، ولا شك أن عند هذا القائل تترجح بعض البديهيات على البعض، وكذا الضروريات.
والضابط: أن كل ما كان أجلى وأظهر عند العقل فهو راجح على ما ليس كذلك، وكذا النظريات يترجح بعضها على البعض عند هذا القائل، فإن كل ما كانت مقدماته أجلى وأقل كان راجحًا على ما ليس كذلك، فإن اختلفا في الجلاء والقلة فالاعتبار بما يفيد سكون النفس إليه إذ لا يمكن اعتبار الزيادة إذ لا زيادة بعد القطع بعدم احتمال النقيض.
واحتج من قال بالترجيح: بأن الضروري والبديهي لا يقبل الشك والشبهة، والنظري يقبلهما فكان البديهي أولى.
أجاب الإمام عنه: بأن النظري واجب الحصول عند حصول جميع مقدماته المنتجة له كما أن البديهي واجب الحصول تصور طرفيه.
وكما أن النظري يزول عند زوال أحد الأمور التي لا بد فيه في حصول مجموع مقدماته المنتجة له فكذلك الضروري يزول عند زوال [أحد] التصورات التي لا بد منها.
فإذن لا فرق في وجوب الجزم عند حصول موجباته بين البابين، بل الفرق: أن النظري يتوقف على أمور أكثر مما يتوقف عليه الضروري، فلا جرم كان زوال النظري أكثر من زوال البديهي.
فأما في وجوب وامتناع العدم عند حصول كل ما لا بد منه فلا فرق بين البديهي والنظري البتة.
وفيه نظر، لأن النظري وإن كان واجب الحصول عند حضور موجباته،