لكن تلك الموجبات أمور كثيرة من التصورات والتصديقات فالذي يمتاز به النظري عن البديهي أنه كما يتوقف على التصورات يتوقف على التصديقات أيضا بخلاف البديهي فإنه غير متوقف على التصديقات، وكل واحد من تلك التصديقات إن لم يكن بديهية تقبل الشك والشبهة والطريق الذي يؤدي إلى المطلوب قد يفيد ذلك أيضًا إذ قد يكون ذلك الطريق غير ضروري التأدية وإذا كان كذلك كان النظري متوقفا على أمور كثيرة، والضروري على أمور قليلة وما يتوقف على الأقل أولى مما يتوقف على الأكثر. فإن قلت: ما يتوقف على الأقل إنما يترجح على ما يتوقف على الأكثر إذا كان كل واحد من المتوقف عليه أو بعضها ظنيًا؛ وهذا لأنه معلل بما أن احتمال تطرق العدم إلى ما يتوقف على الأكثر أكثر، ومعلوم أن ذلك لا يتأتى إلا إذا كان كل واحد من المتوقف عليه أو بعضها ظنيا، فأما إذا كان واحد منه يقينيا كما في النظريات اليقينية فلا نسلم ذلك.

قلت: ليس اليقين فيما لا يقبل الشك والشبهة كاليقين فيما يقبلهما، فإن الإنسان يجد من نفسه تفرقة بين علمه بأن الواحد نصف الاثنين، وأن الكل أعظم من الجزء، وبين علمه بثبوت الجوهر الفرد والخلاء وغيرهما من المسائل النظرية اليقينية مع أن كل واحد منها يقيني على اعتقاده.

لا يقال: إنه وإن اعتقد ذلك في نفسه، لكنه ليس كذلك في نفس الأمر. قلت: فجاز مثله في كل نظري فلم يحصل الجزم بشيء منها، وأما إذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015