أما أولاً: فلأن التخيير بين المباح وغيره يقتضى ترجيح أمارة الإباحة بعينها؛ لأنه لما جاز له الفعل والترك مع أنه لا معنى للإباحة إلا ذلك لزم أن يكون ذلك الفعل مباحا له فيكون ذلك ترجيحا لإحدى الأمارتين بعينها وقد تقدم إفساده.
وأما ثانيا: فلأنه يلزم أن يكون المكلف مخيرًا في المسالة الاجتهادية وهو باطل بالإجماع.
وأما ثالثًا: فلأنه يلزم أن يكون الأمر بالنسبة إلى الحاكم والمفتي كذلك وحينئذ يلزم عدم فصل الخصومة ودوام المنازعة، ولزم تخييرًا لعامي في الأحكام الشرعية وكل ذلك ممتنع.
واعترض عليه: بأنه لم لا يجوز أن يعمل بإحدى الأمارتين على التعين، لكون العمل بهما أحوط، أو لكون العمل بها أخذًا بالأقل؟ وحينئذ لا يلزم ما ذكرتم من أنه تحكم، أو ترجيح من غير مرجح.
سلمنا فساد هذا القسم، فلم لا يجوز أن يعمل بإحداهما لا على التعيين قوله أولا: ذلك ترجيح لأمارة الإباحة بعينه.
قلنا: ممنوع؛ وهذا لأن التخيير بين الفعل والترك مطلقا هو الاباحة، وأما التخيير بينهما بناء على الدليلين الذين يدل أحدهما على الحظر والأخر على الإباحة فلا؛ إذ يجوز من الشارع أن يقول للمكلف: أنت مخير في الأخذ بأمارة الإباحة، أو بأمارة الحظر، إلا أنك متى أخذت بأمارة الإباحة فقد أبحت لك الفعل.
وإن أخذت بأمارة الحظر فقد حرمت عليك الفعل ويصرح له بأن الفعل على