فهذا الرد منهم يدل على أنهم لم يروا العمل بخبر الواحد وإلا لما ردوه.
سلمنا أنهم سكتوا عن الإنكار، لكن لا نسلم أن السكوت يدل على الرضا وهذا لأن السكوت يحتمل وجوها أخر غير الرضا كما تقدم ذكره.
سلمنا أنه يدل على الرضا، وهو يدل على انعقاد الإجماع، لكن على النوع الذي قبلوه وعملوا به، أو على سائر أنواعه.
والأول مسلم، لكن لا يلزم منه حجية سائر أنواعه؛ لاحتمال أن يأمر الشارع بالعمل بذلك النوع دون سائر الأنواع، أو لأن اتفاقهم على قبوله يدل على صحته نفيا للخطأ عنهم، وهذا المعنى غير حاصل في سائر أنواعه فلم يلزم منه حجية سائر أنواعه.
والثاني ممنوع، ولا يمكن دعواه؛ لأن من المعلوم بالضرورة أنهم لم يعلموا بجميع أنواع الخبر، وحينئذ نقول: ذلك النوع غير معلوم لنا بعينه، فإذن لا نوع من أنواع الخبر الواحد إلا ويحتمل أن يكون ذلك النوع، ويحتمل أن لا يكون وحينئذ يلزم أن لا يكون شيء من أنواعه حجة لوقوع التردد في حجيته.
سلمنا أن النوع الذي عملوا به، وأجمعوا عليه معلوم لنا، لكن لا يلزم من جواز العمل لهم بذلك النوع، جواز العمل به لنا؛ وهذا لأنهم شاهدوا الرسول - عليه السلام -، وعرفوا مجاري كلماته، ومناهج رموزه وإشاراته، وعرفوا أحوال أولئك الرواة في العدالة وعدمها، وعرفوا قرائن صدقهم