العدالة عبارة عن هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة [والأصل ترتب المقتضى على المقتضى، ولا شك أن الإتيان بالصغيرة يخل بالتقوى]، إذ التقوى بالاتقاء عن المعاصي، والصغيرة معصية فلو صدرت مع تحقق العدالة لزم عدم ترتب المقتضى على المقتضى وهو خلاف الأصل لكن هذا إنما يدل على عدم جواز صدورها عمدًا، فأما سهوًا أو نسيانًا فلا، إذ الإتيان بالمعصية على وجه السهو أو النسيان لا يخل بالتقوى وحينئذ لم يلزم حجية الإجماع.
قوله: "إنما جعلهم عدولاً ليكونوا شهداء على الناس في الدار الآخرة بتبليغ الأنبياء الرسالة إليهم".
قلنا: هذا تقييد للمطلق، لأن قوله {لتكونوا شهداء على الناس}، مطلق غير مقيد بشيء دون شيء، فتقييده بالشهادة على تبليغ الرسالة خلاف الأصل بل هو متناول له ولغيره إذا صح نقل هذا القول عن السلف، وإلا كان الحمل عليه بعيدًا، لأن الأمم السالفة شاهدت الرسل [و] المرسل إليهم، وكثير منهم من آمن بهم، فشهادتهم على المنكرين منهم أولى ممن لم يشاهد ذلك.
قوله: "الآية تقتضي عدالتهم في الدار الآخرة".
قلنا: لا نسلم [هذا]، لأن قوله: {وكذلك جعلناكم} يقتضي أن جعلهم وسطًا في الماضي، ولو كان [المراد] جعلهم عدولاً في الدار