وإن جوزنا نقلَ الصدقة والنذرُ مخصوص لفظاً بأهل البلدة المعينة، ففي جواز النقل على هذا القول وجهان: أحدهما - أن النقل ممتنع، وإن جاز نقل الصدقة، تعلقاً باللفظ وموجبه، وليس في ألفاظ الشارع ما يخصص صدقة الرجل بأهل بقعة، والأخبار التي يتعلق بها من يمنع النقل عُرضةٌ للتأويل؛ إذ لو كانت نصوصاً، لوجب اتباعها، واللفظ القابلُ للتأويل إذا أوّله محقق، واعتضد في التأويل بالدليل، فيصير الظاهر مع ما ذكرناه كالمجمل، ولفظ الناذر في مسألتنا نص صريح غير قابل للتأويل.
والوجه الثاني - أن النقل جائز؛ فإن المنذور يتعلق بحقوق الله تعالى، وليس لمن يلتزم حقوق الله تعالى تحكم فيه، والذي يعضد ذلك أنه لا قربة في تخصيص أهل بلدة، وما يبعد عن مسالك القربات، فذكره لغو في النذور- ولم يختلف الأصحاب في أن ما يقيد بالحرم يتقيد به؛ فإنه محل الهدايا، ونهايات القُصود في التقرب بالهدايا أن تبلغ الحرم، كما قال تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]. فصار تبليغها وتفريقها على أهلها من الصفات التي تقتضي مزية في القربة.
فيخرج منه أن التقييد وإن كان نصّاً لغو.
ولو قال الرجل: لله علي أن أتصدق على زيد هذا، وكان فقيراً فتعيّنه يُخرَّجُ على تَعيُّن أهل البلدة.
ثم مهما (?) أبطلنا تقييده، فقد يخطر للفقيه أن النذر يبطل، ويعارضه أن الشرط يبطل، والقُربة تثبت، وهذا يظهر في النذور جدّاً، ويجوز أن يقال: لا يثبت النذر، لا لفساده بفساد شرط مقترن به، ولكن لأن ما التزمه لم يلزمه، وهو لم يلتزم إلا التصدق على زيد أو على أهل البلدة التي عينها، فإن قلنا: لا تتعين البلدة لتفرقة اللحم، فلا تتعين لإراقة الدم فيه، بخلاف الحرم؛ فإن الشرع جعله منحر الهدايا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بمنى: " هذا المنحر، وكل فجاج مكة منحر" (?).