فصل
11702 - ذكر المزني مسألة أخطأ فيها حُكماً وتعليلاً؛ فإنه قال: " لو أخرج مُخرج مالاً وقال لرامٍ: ارم عشرة، فإن كانت قرعاتك أكثر، فلك السَّبَق الذي أخرجته " (?).
قال المزني: " لا يجوز ذلك؛ لأنه ناضل نفسه "، وهذا الذي نقله عن الشافعي خطأ؛ فإنه نص على أن ذلك جائز؛ إذ لا مانع منه، والمقصود من إخراج السبَق التحريضُ على الرمي، ولا فرق بين أن يفرض صدوره عن رامٍ واحد، وبين أن يفرض عن جماعة. هذا خطؤه في النقل عن الشافعي.
وأما خطؤه في التعليل، فهو أنه قال: " لأنه ناضل نفسه "، وهذا خطأ لا شك فيه، فإنَّ الغرض أن يجدّ هذا الرامي ويحرص على تكثير القرعات، وهذه العلة التي ذكرها إنما ذكرها الشافعي في صورة أخرى، وهي أنه: لو قال: ارم عشرةً عن نفسك وعشرةً عني، فإن كانت القرعات في عشرتك أكثر، فلك ما أخرجت، فهذا غير جائز؛ فإنه قد يقصر في العشر المشروطة للمُسْبِق، فيكون مناضلاً نفسه، ولا يصح العمل على هذا النسق، فقد ظهر غلطه في الفتوى والتعليل.
وذكر العراقيون في المسألة التي ذكرها المزني وجهاً بعيداً موافقاً لمذهبه وفتواه، وقالوا: من أصحابنا من أفسد المعاملة؛ من جهة أن الكثرة التي ذكرها في القرعات مجهولة، وهذا ليس بشيء؛ فإن قوله: إن كانت قرعاتُك أكثرَ محمول على ما إذا أصاب من العشرة ستة، فتتحقق الكثرة بهذا، واللفظ صريح في اقتضاء الاكتفاء بست قرعات.
والوجه عندنا أنه إن أصاب ست قرعات وِلاءً، فقد بان أنه استحق المال، وإن لم يصب الأربعة الباقية، فلو قال: أقتصر على ما كان مني، فإني استحققت المال، وقال الشارط: استكمل العشرة؛ فإني علقت الاستحقاق بعشرة إصاباتها أكثر، فالظاهر أنا نلزمه استكمال العشرة؛ فإنَّ لفظ الشارط: " ارم عشرة "، فلا استحقاق دون رميها، والخلاف جارٍ في المسألة، على ما مهدنا من الأصول قبل.