قال: يلزمه التصدّق بمقدارٍ، تعلّقاً بقوله: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28]، ومنهم من قال: له أكلُ الكُلّ؛ إذ لو امتنع أكل الكُلِّ، لامتنع أكل البعض، والدّعاء إلى الإطعام استحثاث على مكارم الأخلاق. فإن قلنا: يجب التصدُّق بشيء، لم يختلف أصحابنا في أن الغرض يسقط بما ينطلق عليه الاسم وإن قلَّ، ويجب التثبت في هذا؛ فإنه على ظهوره مزِلّةٌ، وما ذكرناه مقطوع به، فلتقع الثقة به.
ثم لا شكَّ أنَّه لو تصدّق بالجميع، لكان أفضل، غير أن ما يقتضيه شعار الصالحين أن يأكل من ضحيته مقداراً وإن قلَّ، وكان شيخي يرى ذلك مكرمةً وإحياءً للشعار، وقيل: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل يوم الأضحى من كبد أضحيته " (?) وروي قريب منه عن عليٍّ رضي الله عنه: إذ قال في أثناء خطبته بالبصرة في أيام خلافته: " أما أن أميركم هذا رضي من دنياكم بطِمْريه لا يأكل اللحم في السنة إلا الفِلْذَة من كبد أُضحيته " (?).
ثم من أئمتنا من قال: لو تصدق بالنصف، فقد أقام شعار الدين في الإطعام.
ومنهم من قال: لو تصدّق بالثلث، فقد أكمل القُربة.
فمن راعى التنصيف، تعلّق بظاهر قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج: 28]، وتقابلُ الجهتين يُشعر بالتنصيف، ومن مال إلى الثلث، احتج بما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأضحية، وكان نهى عن الأكل منها، فقال بعد نهيه: