والقول الوجيز في تحقيق ذلك أن الأرش معناه تمييز مقدارٍ واجبٍ بالجناية على الجملة، وهذا من ضرورته أن ينفصل الجرح عن الإزهاق، فإذا أدى إليه، كان الجرح مع السراية بمثابة حزّ الرقبة، فإن فرضت شركة، فالشركاء كالقاتل الواحد.
هذا وجهٌ بيّنٌ في ضعف هذا الوجه، ثم النظر في العاقبة يوضح فساد الأصل؛ فإنَّ الثاني التزم ما التزمه الأول مع أن الجناية الأولى صادفت كمالاً في القيمة، والجناية الثانية صادفت نقصاناً فيها، ولا سبيل إلى اعتقاد الصحة في هذا على الجملة إلى أن نسبر. فإن ظن ظانّ أن استواءهما من قبل أن أرش أحد الجرحين تُسعٌ، وأرش الجرح الثاني عُشر، فهذا التفاوت لا يُوجب الاستواء، مع أنا ذكرنا في توجيه الوجه المرتضى أنا لو فرضنا جرحين واقعين بالعبد معاً، وأحدهما أعظم من الثاني، فلا يتفاوت الأمر باختلاف الجرحين إذا وقعا معاً، كذلك إذا ترتبا، وإنما الأثر لنقصان القيمة بالجرح الأول، ومصادفة الجرح الثاني عبداً ناقص القيمة.
وأما من قال: يجب على الأول خمسة، وعلى الثاني أربعة ونصف، فهذا الوجه ليس فيه التعرض للأرش والالتفات إليه، ولكن فيه إسقاط شيء من القيمة وسببه أنه دقيق المُدرك مع إسقاط الأرش، ووجهه ما ذكرناه في توجيه الوجه المختار.
وأما من أوجب على الأول خمسة ونصفاً، وعلى الثاني خمسة، فقد بنى مذهبه على أن كل واحد منهما بانتسابه إلى القتل قاطع نصف سراية جرح صاحبه، وهذا يقتضي أن يثبت ذلك المقدار من الأرش، فإن من قطع يدي رجلٍ ورجليه، فلو سرت جراحته، لصارت الجراحة نفساً. ولو قتل الغيرُ ذلك المجني عليه، فتستقر الأروش على الجاني الأول؛ فإن القتل من الثاني قطع سراية الجارح الأول وهذا فيه تدقيق، ولكن لا حاصل له مع حصول القتل منهما، والقطع بنزول اشتراكهما في القتل منزلة انفراد الرجل بالقتل، ثم دلّ فساد التفريع على فساد الأصل إذا اقتضى الوجه أكثر من القيمة.
وما ذكره القفال من الاستشهاد بما إذا قطع رجل يدي عبدٍ ورجليه، ثم قتله آخر، فهو فقيه غائص؛ من جهة أن كل واحد من الشريكين في حكم المخرج لنصف جرح