ولكن إن وقع الجرحان معاً، جعلنا الجارحين كالقاتل الواحد، وقسطنا القيمة عليهما، وإن وقع الجرح الثاني مرتباً على الأول، فينشأ من هذا أنا نعتبر في حق كل واحد القيمةَ التي كان العبد عليها عند اتصال الجرح به مع إحباط النظر إلى الأرش.
ولكن يعترض مع هذا إشكال هو منشأ الاضطراب، وهو أنا لو وفينا هذا القياس حقَّه، لأوجبنا على الأول خمسة وعلى الثاني أربعة ونصفاً، وهذا يُفضي إلى إسقاط جزء من قيمة العبد، وهو محالٌ؛ فإنَّ فوات العبد محال على الجرحين، فالوجه أن نتأنق في طلب نصف دينار من غير أن نحوّم على الأرش، فنقول: الأول لو انفرد بالجرح، وصار جرحه قتلاً، لالتزم العشرة، فلما جرح الثاني، وقد ظهر نقصٌ في القيمة، استحال أن نلزمه أكثر من نصف القيمة التي كان العبد عليها يوم جنايته، هذا ما يقتضيه حكم القيمة، والعبد يختص عن الحر بارتفاع القيمة وانحطاطها؛ فإنَّ الشرع تولى تقديرَ بدل الحر، فلا يفرض انحطاطه.
فنقول: أوجب القياس ألا نوجب على الثاني إلا نصف القيمة [الناقصة، وكأن الأول منتسب إلى القتل والتفويتِ إلا في المقدار الذي يفرض لالتزامه الثاني] (?).
فذاك مقتطع عن الأول والثاني منسوب إليه، وليس ما التزمه من الزيادة أرشاً، وإنما هو يترتب على شيئين: أحدهما - زيادة القيمة يوم جنايته والثاني - نقصانها يوم جناية الثاني، وامتناع إضافة الزيادة إلى جناية الثاني؛ فإنه يشارك في قتل عبدٍ قيمته تسعة، فتحصّل من مجموع ذلك أن التفاوت بين النصفين على الأول وما اقتضاه الحساب من قسمةٍ، فهو في عهدة الأول، فعلى الثاني نصف قيمة العبد مجروحاً الجرح الأول، وعلى الأول ما تتم القيمة به.
11566 - ثم ينشأ من هذا التوجيه وجه النظر في الوجوه التي قدمناها: أمَّا من قال: على الأول دينار، وعلى الثاني دينار، والباقي بينهما، فهذا الوجه يتضمن إثبات الأرش مع حصول القتل بالجرحين، وهذا مصادمة أصل عظيم، لا سبيل إلى مخالفته، وهو أن الأروش يسقط اعتبارها مع إفضاء الجرح إلى زهوق الروح.