وإذا تمهد ذلك، بان منه أن المستأجَر على الجهاد لا يستحق على مستأجره أجر المثل، كما لا يستحق عليه الأجرة المسماة؛ فإن الجهاد يقع عن الأجير، فاستحال أن يستحق على عمله الذي وقع له أجرة على غيره.
11310 - فإن قيل: هل للسلطان أن يستأجر من المسلمين من أراد استئجاره، ثم يعطيه الأجرة من سهم المصالح؟ قلنا: هذا ما اضطرب فيه أصحابنا، فصار صائرون إلى جواز ذلك، وهو الذي ذكره الصيدلاني، وصرّح به، ومهّده أصلاً، وفرّع عليه.
ونحن ذكرناه أيضاً في قَسْم الفيء والغنائم، وأطلقناه ولم نفصله.
وذكر القاضي أن الاستئجار الذي ذكره الأصحاب من جهة السلطان ليس استئجاراً على الحقيقة، فإن الجهاد يقع على المجاهد، وما يصرف إليه من حق بيت المال، فهو حق المستحِق له إذا تصدى للجهاد، وعَدِمَ تمامَ الأهبة والزاد، وهذا الذي ذكره القاضي هو القياس الذي لا يجوز غيره.
وإذا جمع الجامع ما ذكرناه الآن، وما قررناه في أول كتاب الصداق، انتظم له من المجموع كلام تام.
11311 - قال الشافعي: " ومن ظهر منه تخذيلٌ للمؤمنين ... إلى آخره " (?).
يحرم على الإمام أن يستصحب متخذِّلاً، وهو الذي يحسّر القلوب، ويلقي الأراجيف، ويصرف قلوب المقاتلة عن القتال، وشرُّ مثل هذا الرجل ليس بالهين؛ فإن النفوس مائلة على وفق الطباع، فيخشى أن يُتَّبع، ثم إذا حضر المخذل بنفسه، ردّه الإمام، فإن اتفق حضوره، وهو مشهور بالتخذيل، فقائلٌ: لم يستحق سهماً ولا رضخاً، ولو قتل قتيلاً من الكفار، لم يستحق سَلَبَه، فإنه ممنوع عن حضوره، فلا يستحق بحضوره، ولا بما يستحقه في حضوره شيئاً. فإن قيل: قد ردّد الشافعي قوله في الفرس الضعيف الأعجف الرَّزَاح (?)، وإن استحقاق سهم الفارس هل يتعلق