الجهاد بإذن الأبوين، وإذنِ صاحبِ الدَّيْن، ثم رجع صاحبُ الدين، أو رجع الأبوان، وبلغ الخارج خبر الرجوع، نُظر: فإن بلغه خبر الرجوع عن الإذن قبل التقاء الزحفين، وتقابل الصفين، وكان الرجوع والانقلاب ممكناً، فحقٌّ عليه أن يرجع؛ فإن الجريان على حكم الإذن ليس محتوماً، والآذِن بالخيار: إن شاء أن يستمرّ على إذنه، استمرّ عليه، وإن أراد أن يرجع، كان له أن يرجع عن إذنه، وإذا رجع عن الإذن، وتمكن المأذون له من الرجوع، لزمه الرجوع.
وإن بلغه خبر الرجوع عن الإذن، وقد التقى الزحفان، نظر: فإن كان رجوعه يُخافُ منه انفلالٌ في الجند، فيحرم عليه الرجوع، وإن كان لا يتوقع من رجوعه انخرام وفتنةٌ يرجع أثرها إلى الجند، ففي جواز الرجوع والحالة هذه وجهان: أحدهما - يجوز الرجوع لجواز الإذن، ولا ضرر في الرجوع. والثاني - لا يجوز الرجوع؛ فإنه لابس القتال ووقف [في الصف] (?)، ولو فتحنا هذا الباب، لتعدى تجويزُه إلى انفلال الآحاد، والتعلق بالمعاذير، ثم يفضي الأمر إلى انخرامٍ يعظم أثر وقعه، فالوجه حسم هذا الباب بالكلية.
ثم اختلف أصحابنا في صيغة الوجهين، فقال قائلون: الوجهان في جواز الرجوع، وقال آخرون: الوجهان في وجوب الرجوع. وينتظم من الوجهين والتردد في صيغتهما ثلاثة أوجه: أحدها - يجب الرجوع؛ لانقطاع الإذن، وبلوغ الخبر به.
والثاني - لا يجوز الرجوع، وتجب المصابرة. والثالث - أنه يجوز الرجوع، ويجوز المصابرة لتقابل ملابسته القتال وانقطاع الإذن، فقد تعارض نقيضان، فيسقط أثرهما جميعاً، وتبقى الخِيَرةُ بعدهما، وهذا الوجه اختاره القاضي.
ولو أنشأ السفر نحو الجهاد، وأبواه كافران، فأسلما، أو حدث له دَيْنٌ، فهذا في حكم الطوارئ، فيلتحق الترتيب في الرجوع بما ذكرناه من رجوع الأبوين، والصورة مفروضة فيه إذا لم يأذن الأبوان بعد الإسلام في الجهاد، ولم يأذن صاحب الدَّين الجديد.