ثم قال الأصحاب: إذا سلّم -ولا نرى له أن يسلّم- لم يستحق جواباً؛ فإن وجوب الجواب منوطٌ باستحباب السلام.
ثم القول في الأحوال التي لا يستحب فيها السلام يستدعي تفصيلاً، فإن كل إنسان على حالة لا تجوز أو لا يليق بالمروءة القربُ منه فيها، مثل أن يكون على قضاء حاجة، أو يكون متبذلاً في الحمام يتدلّك ويتنظف، فلا سلام في هذه الأحوال. وإن كان القوم في مساومة أو غيره من شغل الدنيا، فلا يمتنع السلام لهذا، إذ لو امتنع به، لانحسم إفشاء السلام، فإن معظم الخلق في شغل.
وكان شيخي يقول: إذا كان الإنسان يأكل، فلا ينبغي أن يسلم عليه من يقرب منه، وهذا فيه بعض النظر، ويجوز أن يحمل كلامه على ما إذا كان في فيه طعام، فإن ردّ الجواب قد يعسر ويطول الفصل إذا مضغ ما في الفم وازدرده. ويبعد أن نكلفه ألا يزدرده ويلفظه، فأما إذا وقع السلام بعد البلع، وقبل رفع اللقمة الأخرى، فلا يبعد أن يقال: يستحق بالسلام الجواب؛ فإنه لا عسر فيه، والعلم عند الله تعالى.
11304 - ولا يحل لرجل أن يسلّم على امرأة أجنبية ليست من المحارم، وإن سلم، لم يكن لها أن تجيب. وقد ذكرتُ جملاً من أحكام السلام في كتاب الجمعة، عند ذكري الاستماع إلى الخطبة والإنصات.
قال شيخي أبو محمد: تشميت العاطس مستحب، وهو على الكفاية كابتداء السلام، ثم لا يجب جواب التشميت، ولعل السبب فيه أن التشميت لمكان العطاس بالعاطس ولا عطاس بالمشمت.
فصل
قال: " ومن غزا ممن له عذر أو حدث له بعد الخروج عذر ... إلى آخره " (?).
11355 - قد قدمنا المعاذير التي تُخرج الرجل عن التصدي لفرض الجهاد على الكفاية، وهذا الفصل معقود في طريان المعاذير بعد الخروج، فنقول: إذا أثبتنا سفر