فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ} [التوبة: 83] فقال المنافقون: إن محمداً يجرّنا ويحرمنا الغنائم، فنزل قوله تعالى: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ ... } [الفتح: 15]، ونزل في شأن الثلاثة الذين تخلفوا مع القدرة ووجود الأُهبة: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ... } [التوبة: 93]، ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لم يعتذروا خجلاً واستحياءً، وربطوا أنفسهم على سواري المسجد، وقالوا: " لا نَحُلُّ نفوسنا حتى يَحُلَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا أَحُلُّهم حتى يَحُلَّهم الله عز وجلّ " (?)؛ فنزل قوله
تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ... } إلى قوله تعالى {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 117، 118] ونزل في بيان العاجز عن الخروج قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى ... } [التوبة: 91]، وقوله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ... } [التوبة: 92].
وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة حجةَ الوداع، وفيها نزلت آية التكميل، وعاش صلى الله عليه وسلم بعد أن قضى حجه اثنين وثمانين يوماً، واتفقت له غزوات ليست من المشاهير، وهي مذكورة في المغازي.
ثم إن الشافعي أكد في صدر الكتاب طرفاً من أحكام الهجرة، والرأي ألا نخوض فيها؛ فإنها ستأتي مجموعة في باب بعد هذا، إن شاء الله تعالى، وذكر من لا يكون من أهل فرض الكفاية في الجهاد، ورأيت هذا الفصلَ لائقاً بالباب الذي يلي هذا الباب؛ فأخرته إليه.
...