وسلم، فنذكرها تأسياً بما ذكره الشافعي. والحاجة تمسّ إليها لإيضاح التواريخ، وإسناد الأخبار إليها، وقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرواية الظاهرة بمكة ثلاثَ عشرةَ سنة، فلما هاجر إلى المدينة لم يجر في السنة الأولى قتال، وجرت في السنة الثانية غزوة بدر، واتفقت في الثالثة غزوة أحد، وفي السنة الرابعة اتفقت غزوة ذات الرقاع، وفي السنة الخامسة غزوة الخندق، وفيها قَتَل عليٌّ عمرو بنَ وُدّ، وهزم الله الأحزاب بالريح، وجرت في السنة السادسة غزوة بني النضير، ومُرَيْسيع، وفيها قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، فصُدّ من الحُديبية. ثم في السنة السابعة جرى فتح خَيْبر، وعاد إلى مكة وقضى العمرةَ، وفي السنة الثامنة فتح مكة، وسار إلى هوازن، واتفقت خَرْجته في السنة التاسعة إلى تبوك، وفيها أقر أبا بكرٍ على الحجيج، فحج بهم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا همّ بغزوة وَرَّى بغيرها، ولم يورِّ في غزوة تبوك، بل باح حتى يأخذ الناس أنفسهم لبعد المسافة، واتفقت تلك الخَرْجة في شدة الحر، وبالغ في استحثاث المسلمين وتحريضهم، ونهيهم عن التثبيط، وقيل صحبه في تلك الخَرْجة ثلاثون ألفاً، وتخلف عنه أقوامٌ.
والمتخلفون ثلاث فرق: المنافقون، والمسلمون الذين كانوا لا يجدون أهبة الخروج، وتخلّف قادرون أيضاً استثقالاً للخروج في الحرّ. وهؤلاء كانوا ثلاثة: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، [ومُرارة بن الربيع] (?)، فنزل على الجملة في شأن المخلَّفين قولُه تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ... } [التوبة: 120]، ونزل في شأن المنافقين: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة: 81].
وأمر الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا يُصغي إلى كلامهم إذا رجع إليهم، ولا يأذن لهم في الخروج، فقال عز وجلّ: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ