القصاص على الحرّ، فهل يضمن الجلاّد؛ من حيث إنه خالف اعتقاد نفسه؟ ذكر العراقيون في ذلك وجهين: أحدهما - أنه يلزمه الضمان، اعتباراً بعقده، وكونِه مختاراً. والثاني - لا يلزمه اعتباراً باعتقاد الإمام. ثم قالوا: إذا علّقنا الضمان بفعل الجلاّد، فهو قصاص؛ فإنه قتل حُرّاً بغير حق على موجَب عقده، وصار كما لو فعل ذلك من غير أمر الإمام. وإن قلنا: الحكم لاعتقاد الإمام، فلا شيء على الجلاد أصلاً، وكان لا يبعد لو درأ القصاص وأثبت المال (?) والكفارة. ولكن الذي ذكروه هذا.
11222 - وهذا التردد ينتج كلاماً، وهو أن الجلاّد هل له أن يخالف عقدَ نفسه، ويتبع عقد الإمام؟ فعلى وجهين. فإنا قلنا: لا ضمان عليه مع كونه مختاراً، فهو مبني على أن له أن يُقدم عليه، ولهذا نظائر: منها أن يقضي القاضي الحنفي للشافعي بشفعة الجوار، أو بالتوريث بالرحم والرّد، فهل يحل للمقضي له ما يجرى القضاء به؟ فيه اختلاف، رمزنا إليه فيما تقدّم، وسنذكر أصله وحقيقته في آداب القضاء، إن شاء الله عز وجل. وامتثال الجلاد أمر الإمام فيما نحن فيه أَوْجَه، وإن كان يخالف عقده، لأن أمر الإمام مطاعٌ ممتثل، وحقه أن يُتّبع، وإقامة العقوبات ليست حقَّ الجلاّد، وإنما هو فيها متابع متَّبِع، والمقضي له بالشفعة على خِيَرته في ترك حق نفسه، وكان الوجه ألا يحلّ له ما يجرى القضاء به إذا خالف عقده، فإن القضاء لا يغير أحكام البواطن، وهذا ظاهر في الفرق.
والوجه عندنا القطع بأنه لا يحلّ للشافعي أن يأخذ ما يخالف معتقده، ورَدُّ الخلافِ إلى أنه هل يمنع من ذلك ظاهراً؟ فيقال: إن دعواك هذه باطلة، بمخالفتها عقدك؟ ويجوز أن يقال: لا يتعرض له في ظاهر الأمر، لجواز أن يكون منتحلاً هذا المذهب. فأما ذكر الخلاف في الاستحلال باطناً، فبعيد، والتردد الذي ذكرناه في الجلاد متجه لما أشرنا إليه من الاتباع ومعاونتِه على ما يريد إمضاءه موافقاً لعقده.