فأما شرب الخمر، فليس في هذه المرتبة، فإن من اضطر في عطشٍ إلى شربٍ، وجب شربها، كما يجب تعاطي الميتة في شدة المخمصة.
فإن قيل: أليس ظاهر المذهب أن التداوي بالخمر غيرُ جائز؟ قلنا: لأن إصابة الشفاء غيرُ موثوق به.
فإذا اكره الرجل على إتلاف مال غيره، وكان يخاف على روحه، فيجب عليه أن يُتلفه، كما يجب عليه تعاطي طعامِ غيره في شدة المخمصة، فهذا ما ذكرناه في ذلك.
10371 - ونحن الآن نبتدىء ذكرَ أحكام الإكراه على القتل، ثم نذكر بعده ما يتصل به، فإذا أكره رجل رجلاً على قتل إنسان، وتحقق الإكراه، كما وصفناه، فقتله المُكرَه، فقد اختلفت مذاهب العلماء: فذهب زُفَرُ وأبو يوسف (?) في روايةٍ إلى أن القصاص يجب على المكرَه دون المكرِه، وهذا مذهبٌ معتضد بالفقه والقياس؛ فإن المكرَه باشر القتلَ إثماً غيرَ معذور، والمباشرةُ تغلب السبب، وإذا كان الإكراه لا يسلط المكرَه، ولا يدفع الإثم عنه، ولا يرفع الحظر، وقد تحققت المباشرة، فالوجه إعدام أثر الإكراه بالكلية.
واتفق الشافعي وأبو حنيفة على أن القود يجب على المكرِه، وقال أبو حنيفة: لا قصاص على المكرَه أصلاً، وفعله منقولٌ إلى المكرِه، وهو حالٌّ محلَّ آلته وسيفه، ووافق أنه يأثم بالقتل، ويستمر الحظر عليه.
واختلف قول الشافعي رضي الله عنه في ذلك، فقال في أحد قوليه: يجب القصاص على المكرَه، وحقيقة قولنا يجب القصاص عليهما، تقديرهما شريكين، فإن أحدهما ملجىء مستمسك بأقوى الأسباب المفضية إلى القتل غالباًً، والثاني مباشر آثم، وتوجيه القولين مستقصًى في (المسائل) و (الأساليب) (?).
ثم إن قلنا يجب القصاص على المكرِه والمكرَه، فهما شريكان.