ولو كان في أسفل الجبل حيّة تعدو بطبعها أو نمر شرس ضارٍ، فأهلكه، يجب الضمان على المُلقي، والضبط المرعي في ذلك أن ما يعدو بطبعه فيعدو في أوان العدوان لا محالة، كما يضرى السيف إذا صادف مضْرِبه؛ ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه: "لو ألقى رجلاً في بيتٍ فيه سباعٌ ضارية، وافترسته، التزم القود". وهذا يبين بأصلٍ وهو أن من أمسك رجلاً حتى [قطع رجلٌ عنقه] (?) فلا ضمان على الممسك، سواء كان القاتل ممن يضمن أو كان ممن لا يضمن كالحربي، ولو هدّف رجل رجلاً لوثبة أسد يضرى على العدوان بطباعه، فيجب على المهدِّف الممسك القصاص، فهذا هو الأصل المعتبر في الباب.
ولو كان [القادّ] (?) الواقف في سفح الجبل مجنوناً، فإن كان على طباع السباع وضراوتها يجب الضمان على الملقي، وإن لم يكن ضارياً بالقتل، فالمجنون كالعاقل في إسقاط الضمان على الملقي.
10294 - هذا توجيه القولين، وفيه التنبيه على أصلٍ، وهو أن من ألقى إنساناً في مهلكة، ثم اتفق الهلاك بغير السبب الظاهر، فإن لم يكن ذلك السبب يعزى إليه اختيار وفعل أصلاً، فالضمان يجب على الملقي، وهذا كما لو ألقى رجلاً في بئر عميقة يقصد بالإلقاء فيها الهلاك، فلما انتهى الملقَى إلى قعر البئر، فإذا في القعر سكاكينُ منصوبة أو رماحٌ مشرعةٌ، فجرحته الأسنة والنصول، فيجب القصاص على الملقي.
وإن كان السبب الذي حصل الهلاك به منسوباً إلى فعل حيوان، فهذا ينقسم إلى ما يفعل بطباعه ضراوةً، كالسبع يفترس طبعاً، والحية تلسع.
والمنصوص للشافعي وجوبُ القصاص، وتخريج الربيع أن القصاص لا يجب، والتقام الحوت أصل هذا الفن، حيث وقع تصويره.
وإن كان الفعل صادراً من ذي اختيار لا يفعل بطبعه، وإنما يفعل بمشيئته، فهذا مسألة الشاهق [والقادّ] (?).