والقول الثاني - أنه لا يضمن؛ فإنا لو ضمناه، وقد تمس الحاجة إلى المسافرة، لكان ذلك ضربَ حجر عليه، وفي هذا خرمُ أصل الإيداع؛ فإن المودَع متبرع، ولهذا صُدِّق فيما يدعيه من ممكنٍ من الرد والتلف؛ إذ لو لم يصدَّق، لما رغب في الحفظ متبرعٌ. كذلك لو اقتضت الوديعة حجراً، لجر ذلك امتناعَ الناس عن حفظ الودائع. وحق ما يتفرع من الأصول أن يرد إليها ويجري على حسب أصولها.
ومما يذكر أنه لو سافر بالوديعة حيث لا حاكم، ولا مالك، ولا وكيل، فإن كانت الطرق مخوفة، فلا شك في امتناع المسافرة بالوديعة. فإن كانت الطرق آمنةً آهلة، [والمعنيُّ] (?) بالأمن فيها غلبة الظن في السلامة، من غير قيام سبب من الخوف معلوم أو مظنون، ومن حكم تصوير الأمن قيام أسبابه: من إيالة ضابطة، ويدٍ من الوالي العدل بطَّاشة، وترتب من الناس في الأطراف، حتى لو لم [يعلم بسبب الأمن، فالمسافرة غرر] (?) وإن لم يكن سبب الخوف [بهذا] (?) القدر لا بد من الإحاطة به في بيان معنى الأمن.
فإذا كانت الطريق آمنة على ما فسّرنا، فالذي أطلقه الأصحاب منع المسافرة، وحكَوْا فيه خلاف أبي حنيفة (?)، وأقاموا المسألة خلافية. وهذا ظاهر المذهب.
وذكر صاحب التقريب وجهين: أحدهما - ما ذكرناه، وهو الذي صححه ورآه أصل المذهب.
والوجه الثاني - أن المسافرة بالوديعة جائزة، وهذا الوجه يوافق مذهب أبي حنيفة، ووجهه على بعده أن يده مستدامة، والمسافرة مع الأمن بمثابة الإقامة، والأموال المضنون بها كأموال الأطفال يسوغ المسافرة بها.
7636 - فهذه مسائل أوردها الأصحاب في الطرق، فجمعناها مرسلة. ونحن الآن ننعطف عليها، ونذكر رباطها والفقه المعتبر فيها.