ثم قال الشافعي رضي الله عنه: "إذا أودع رجل وديعة، فلم يثق بأحدٍ يجعلها عنده، فسافر بها بحراً وبراً، ضمن ... إلى آخره" (?).
7635 - مضمون هذا الفصل أن المودع إذا طرأت عليه حالة حملته على المسافرة، أو أراد أن يسافر مختاراً من غير إرهاق واضطرار، فماذا يصنع بالوديعة؟ أيسافر بها أو يودعها؟ قال الأئمة: إذا أراد المودع المسافرة، وكان صاحب الوديعة حاضراً، فيتعين عليه ردُّها كما سنصف معنى رد الوديعة، إن شاء الله، وإن لم يكن حاضراً، وكان وكيله بقبض الودائع والحقوق حاضراً، فانه يسلمه إليه، ولا طريق غيره. [ولو لم] (?) يجد مالكَ الوديعة، ولا وكيلاً من جهته، فإن كان في الموضع حاكم، راجعه وسلّم الوديعة إليه، ثم الحاكم إن قبضها بنفسه، فذاك، وإلا أقام في حفظها موثوقاً به، فينزل ذلك القائم منزلةَ الحاكم.
ولو أراد أن يسافر بالوديعة أو يودعها عند إنسان مع القدرة على مراجعة الحاكم، لم يكن له ذلك، ولو فعل، ضمن.
فأما إذا خلا المكان عن حاكم يراجَع، ولم يكن في الموضع صاحب الوديعة ولا وكيله، فلو أراد المودع أن يودع الوديعة عند أمينٍ، فظاهر النص هاهنا أن له ذلك.
وقال (?) الشافعي في كتاب الرهون: العدل الذي عدّل الرهن عنده، [لو] (?) أراد سفراً، فأودع ما عنده عند أمين، ضمن. وإنما قال ذلك في شغور المكان عن الحاكم، فلم ير علماؤنا بين المسألتين فرقاً، وجعلوا المسألتين على قولين: أحدهما - أنه يضمن؛ لأنه المودَع والمستحفظ، والحفظ أمرٌ خاص، وليس للمأمور في الشغل الخاص أن يقيم غيرَه مقام نفسه، فإذا فعله، كان مخالفاً لموجب الإيداع مجاوزاً لما يتضمنه أمر المالك.