عذر يندر وقوعه، فإذا وقع، تردد الأئمة فيه، فمنهم من ينظر إلى وقوعه إذا وقع، وألحقه بما يعمّ وقوعه، ومنهم من ألحقه بما يتيسّر الاحتراز منه؛ فإن العسر الذي يتعذّر احتماله إنّما يتحقق فيما يعمّ، وما يندر في الأحايين في حكم عارضةٍ تزول.
وسيأتي ما يمهّد هذه القاعدةَ في مسائل التيمّم، إن شاء الله عز وجل.
فرع:
15 - إذا طُرح كفٌّ من التراب في كوز ماءٍ فكدّره، فمن اتبع اسمَ الماءِ في الطريقةِ المرضيّة جوّز التوضؤ به؛ فإن التغيّر بالتراب لا يسلب اسمَ الماءِ.
ومن راعى المخالطةَ، اختلفوا في أن الترابَ مخالطٌ أو مجاورٌ.
وقد أجريتُ ذكرَ هذا في أثناء تمهيد الأصل.
فإن قيل: إنَّه مجاور، لم يضرّ، وجاز التوضؤ به.
وإن قيل: إنه مخالط مغيّر، فقد اختلف هؤلاء الآن في جواز التوضؤ به، فمنعه بعضُهم للتغير والمخالطة، وتيسُّر الاحتراز عنه في هذه الصورة.
وأجازه بعضُهم ذهاباً إلى أن التراب طاهر طهورٌ؛ فهو موافق للماءِ في صفته، فلا يضر تغيّر الماء به.
وهذا من ركيك الكلام، وإن ذكره طوائف؛ فإن التراب غيرُ مطهرٍ، وإنما عُلِّقت به إباحةٌ بسبب ضرورة.
والكلام في أصله مفرعٌّ على طريقةٍ غير مرضيّة، وإذا طال التفريعُ على الضعيف، تضاعف ضعفه.
فرع:
16 - إذا صُبَّ على ماءٍ قليلٍ مقدار من الماوَرْد، ولم يكن له طعمٌ محسوس، يخالف طعمَ الماء، ولا ريحٌ، فإن كان مقدارُه بحيث لو فُرض له طعمٌ مخالف لطعم الماءِ لغيَّره، على ما ذكرنا كلامَ الأصحاب في معنى التغير المؤثّر، فإذا بلغ الذي لا طعم له في الكثرة هذا المبلغ، لم يجز التوضُؤ بذلك المختلط؛ فإن ظهور صفة المخالط إن كانت له صفة، إنما أثَّر من حيث أشعر باختلاط الماءِ بغيره، فإذا تحققنا اختلاطهما، فليس المختلط ماءً مطلقاً، ومقدار المخالط كثيرٌ بحيث لا يُعدّ مثله مغموراً.