ثم إذا تعيّن الفصل بين أن يقصد الأمانةَ والحفظَ على المالك، وبين أن يقصد التملك، فلو قصد الأمانة أولاً، ثم بدا له أن يتملك، فيجب أن يكون النظر إلى العاقبة، وإلى ما يستقر عليه منتهى الأمر.
فإن اطردت الأمانةُ والقصدُ إليها، فلا مؤونة على المعرِّف، وإن تملك خرّج في المؤنة مما ذكره العراقيون، مع احتمالٍ ظاهرٍ فيه، كما نبهنا عليه.
5927 - ثم إذا جاء من يدّعي اللقطة ووصفها، وأغرق في الوصف، ولم يغادر مما يُطلب في مقصود الباب شيئاً، فالذي ذهب إليه معظم الأصحاب، وإليه ميل النص أنه لا يجب على الملتقط تسليمُ اللقطة إلى واصفها، فإنه لا يبعد أن يكون مودَعاً فيها، أو مطلعاً عليها، محيطاً بأوصافها من غير أن يكون مالكها، فإذا أمكن ذلك، فلا وجه لإيجاب الرد بناء على مجرد الوصف.
5928 - وذهب طوائف من أئمتنا إلى أنه يجب الرد بالوصف، وهو اختيار الشيخ أبي حامد فيما أظن.
والسْاهد لذلك أن الرد جائز تعويلاً على الوصف، وما يجوّز الرد يوجبه؛ إذ (?) لو لم يكن الوصف معتمداً، لبطل التعويل عليه في جواز الرد، وأيضاً فإنّ طلب الشهادة على الضوالّ والأموال الخفية عسر في النهاية، والمطالبةُ بها قطعٌ لحق ملاّك الضوال، فاللائق بمصلحة الباب وجوبُ الرد اعتماداً على الوصف.
وفي كل باب مسلك يليق به لا يسوغ قياسه على غيره، وتوصل الملتقط إلى التملك من هذا القبيل؛ فإنه تملكٌ من غير تمليكٍ من جهة المالك، وقيامٌ بالتصرف في الملك من غير إقامة واستنابة من المالك، ولكن اللائق بمصلحة الباب هذا؛ فإنا لو توقفنا على تقدير إنابةٍ، لكان ذلك تعطيلاً لمقصود اللقطة، ولو لم يتسلط الملتقط على التملك مع الضلال، واستبهام الحال، لما رغب في الالتقاط، فلْيَجْرِ الوصف، والاقتصار عليه على حسب مجاري العرف.