وقد روي: " أن أعرابياً وَهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعيراً، فأثابه عليه بعيرَيْن، فلم يرض، فزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يرض حتى آذى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: عزمت ألا أقبل الهدية إلا من قرشي " (?).
وهذا القائل يقول: بناء ثبوت الثواب على العادة، ولم تجر العادة برضا الواهب بقدر قيمة الموهوب؛ فإنه لو حاول ذلك، تمكن من الوصول إليه بالبيع، ثم لا ضبطَ وراء ذلك إلا طلب رضا الواهب، غير أنه إذا أبى، وكان لا يرضى، فللموهوب منه ردُّ الموهوب، وللواهب الاسترداد قهراً، وهذا يدرأ سؤال من يقول: قد لا يرضى الواهب إلا بمالٍ عظيم القدر، فيقال: وجهُ دفع ذلك ردُّ الموهوب.
القول الثالث - أنه يقع (?) الاكتفاء بأدنى ما يتمول؛ إذ لا تقدير، وليس في العادة أيضاًً ضبطٌ، ولا وجه لتعليق الأمر بالرضا، فنجعل كأن الثوابَ مطلق وننزله على أقل الدرجات.
والقول الرابع - أنه يُرجع في هذا إلى العادة، فكل ما يعدّ ثواباً، وإن كان أنقصَ قيمةً من الموهوب، وجب على الواهب الاكتفاءُ به. وهذا القائل لا يرضى بالأقل، ولا يتبع رضا الواهب، ولا يعتبر القيمة، بل يقول: كل ما يتساهل الناس في مثله في باب الثواب، تعيّن قبوله، ووجب الاكتفاء به.
وهذه الأقوال لا تُلفى منصوصة، وأنا أراها أوجهاً من أجوبة ابن سريج، وليس يخلو كلام الشافعي عن الإشعار بمعظمها.
التفريع:
5889 - إن قدرنا الثواب بمبلغ قيمة الموهوب، فلو أراد المتَّهِب أن يرد الموهوبَ في عينه، فهذا فيه احتمال، ويتجه جدّاً أن يقال: يتعين الثواب؛ فإنه