بهذا الحديث على أن الأمر لا يلزم المأمور قبل اتصال الأمر به.
فهذا صورة هذه العقود.
4988 - ثم قال العلماء: المساقاة تنزع إلى عقود، وتشبهها في أحكام: هي شبيهة بالسَّلَم، من حيث إن العامل يلتزم العمل في الذمة، ولا تبطل بموت العامل، وتشبه بيعَ العين [الغائبة] (?)؛ إذ لا يجب فيها تسليم العوض في المجلس، بل لا سبيل إلى ذلك؛ فإن عوض العمل جزء من الثمار التي سيخلقها الله تعالى، وهي شبيهة بالإجارات؛ إذ المقصود منها العمل، وهي على الجملة معاملةٌ مستقلة بنفسها، ذاتُ خاصية، كما سيأتي شرح أحكامها، إن شاء الله تعالى.
ثم الكلام في ذكرها، وتمهيد قضاياها الجُملية يتعلق بفصول: منها في ذكر محلها، ومنها في ذكر وقتها، ومنها في ذكر أركانها في نفسها.
4989 - فأما محلها، فلا خلاف أنها تصح في النخيل والكروم، واختلف قول الشافعي في أنها هل تجري في غير النخيل والكروم من الأشجار؟ ففي المسالة قولان مشهوران: أحدهما- أنها تختص؛ فنها معاملة غيرُ مُنْقاسة، وقد ورد الشرع بها في النخيل، واتفق العلماء على أن الكروم في معنى النخيل، كما اتفقوا على أن الأَمَة في معنى العبد في قوله صلى الله عليه وسلم: " من أعتق شِركاً له من عبد قُوّم عليه ".
والقول الثاني- أنها تصح على جميع الأشجار المثمرة؛ فإن مبنى المعاملة على مسيس الحاجة؛ إذْ مُلاك الأشجار يعجزون عن القيام بتعهد الأشجار، فأثبت الشارع هذه المعاملة، وأثبت حقَّ العامل في جزء من الثمار، حتى يحرص ويبذل المجهودَ في التعهد، والتفقّد، كما ذكرناه في عامل القراض، وهذا المعنى يعم الأشجار.