هذا كثير تعلق عندنا، ولا يجوز أن يكون للإجماع مستندٌ يحتاج الناظر إلى الغوص عليه، وتدقيق النظر في دَرْكه إلى هذا الحد، ولا بدّ وأن يكون للإجماع صَدَرٌ عن أصلٍ، ويبعد في مطّرد العرف خفاؤه، فلا وجه فيه إلا القطعُ بأنهم ألفوا هذه المعاملة في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم شائعةً بين [المتعاملين] (?) وتحققوا التقرير عليها شرعاً، وكان شيوع ذلك في الخلق أظهرَ من أن يُحتاج فيه إلى نقل أقاصيص، فكان الإجماع عن مثل هذا. واستقصاءُ ذلك في الأصول.
4848 - ثم تكلّم الفقهاءُ على القصة التي جرت، وتنزيلها على وجهها، فمنهم من قال: استقرضا المائة ألف استقراضاً صحيحاً، وللوالي أن يُقرض مالَ بيت المال إذا رأى المصلحةَ فيه، فكان الربح بكماله لهما غيرَ أن عمر استطاب أنفسَهما عن بعض الربح، فلم يخالفاه، وكان هذا بمثابة استطابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفسَ الغانمين عن سبايا هوازن لما أراد ردََّها عليهم، بعد قسمتها، وجريانِ ملك الغانمين فيها.
وقال بعض العلماء: ما جرى كان قراضاً فاسداً؛ فإن أبا موسى شرط عليهما ردَّ المال بالمدينة، فكان قرضاً جر منفعةً، وقد ذكرنا فسادَ السفاتج (?) في مثل ذلك.
ثم يجوز أن يقال: كانا اشتريا الأمتعة في الذمة، فوقع الملك فيها لهما، والربح على الأمتعة، غيرَ أنهما لما ارتفقا بمالِ بيت المال في تأدية أثمان الأمتعة رأى عمر رضي الله عنه استطابة أنفسهما عن بعض الربح.
وقيل: كان ما جرى قراضاً فاسداً بين أبي موسى وبينهما؛ فإنه شرط عليهما وراء التصرف النقلَ إلى المدينة، وسنذكر فسادَ القراض بمثل هذا، فكان الربح بكماله لبيت المال، ولكن رأى عمر نصف الربح موازياً لأُجور أمثالهما.
فهذا ما أردناه في رسم القراض، وتأصيله، ومستندِ الإجماع فيه، ونحن نذكر