رد اليمين على المشتري في هذه الحالة ترددٌ للأصحاب. فمنهم من قال: لا ترد اليمين، كما لو كانا حاضرين؛ فإن الرد يتوقف على نكولهما جميعاً. وهذا هو القياس، ومنهم من قال: ترد اليمين؛ فيثبت بها عفو الحاضر، ثم لا يمتنع أن يلحق الخصومات تغاييرُ من جهاتٍ. وإنما امتنعنا من الرد بنكول أحدهما عند حضورهما للتمكن من اختصار الخصومة، والوصول إلى الغرض منها.
وإذا نكل أحدهما من اليمين، وحلّفنا الثاني، فلو أراد الحالف أن يستبد بالشقص، لم يكن له ذلك؛ فإن العفو لم يثبت من صاحبه. ولو أثبتناه، لكان ذلك قضاءً بالنكول المجرّد. نعم، بين الشفيعين خصومة، فإن لم يتخاصما، فهما مشتركان في طلب الحق، وقسمة الشقص.
وإن ادعى من حلف على الناكل العفوَ، فإنا نحلفه الآن، ونكوله مع المشتري لا يمنعه من الحلف مع الشفيع، فإن حلف، فذاك. وإن نكل، ردت اليمين على الشفيع المدعي، فإن حلف، استبد بحق الشفعة، وأخذ الشقص بتمامه.
وفي كلام ابن الحداد اختلال في اللفظ، حمله الأصحاب على الغلط في المعنى، ونحن ننقله على وجهه.
لمَّا فرض دعوى المشتري على الشفيعين، وصوَّر نكول أحدهما عن اليمين، وقال: لا يحلف المشتري، بل يحلف [الحاضر] (?) من الشفيعين، أن صاحبه عفا، ويأخذ جميع الشقص (?)، وهذا في ظاهره يدل على أنه يملك أن يحلف من غير استفتاح دعوى وابتداء خصومة مع الناكل.
هذا ظاهر الكلام، وعليه حمل الأصحاب مذهب ابنِ الحداد، ثم غلطوه، وقالوا: كيف يحلف على العفو، وهو لم يدّع على صاحبه العفو، ولا يظن بابن الحداد أنه يثبت الحلف في حق الشفيع من غير دعوى واستئنافِ خصومة، وإنما أراد بتحليف الشفيع أن يحلف في أوان التحليف، ومن ضرورة ذلك أن يدعي ما ينبغي أن