4622 - ومما يلتحق بذلك أن المالك لو ادّعى أن العبد المغصوب الفائت كان يحسن صناعةً من الصناعات، وأنكرها الغاصب، فالذي قطع به المراوزة أن القول قول الغاصب؛ فإن الأصل براءة ذمته، والأصل عدم الصناعة التي يدعيها المالك.

وذكر العراقيون وجهاًً غريباً: أن القول قولُ المالكِ، ووجهوه عندهم بأن صفات العبيد قد لايطلع عليها إلا السَّادة، ويعسر إثباتها من غير تصديقهم، فلو لم نصدقهم، لأدّى إلى تعطيل كثير من الصفات في محل النزاع. ونحن قد نصدق في إثبات شيء والأصل عدمُه إنساناً، إذ (?) كان لا يتلقى ثبوته إلا من جهته، ومنه تصديقنا المرأةَ في الحيض، إذا كان الزوج علّق طلاقَها على أن تحيض، وإن كان الأصل بقاءَ النكاح وعدمَ الطلاق.

وهذا تخليط غيرُ معدودٍ من المذهب، والوجه القطع ببناء الأمر على عدم الصناعات، وعلى من يدّعيها البيّنة.

هذا في اختلاف الغاصب والمغصوب منه في صفةِ المغصوب.

4623 - فأما إذا وقع الاختلاف في مبلغ قيمة العبد مطلقاً، من غير تعرض لصفاته، فإذا قال المالك: كانت قيمة العبد ألفين، وقال الغاصب: كانت ألفاً، فالقول قول الغاصب مع يمينه، لا خلاف فيه؛ بناء على ما قدمناه من براءة ذمته عن المزيد المدَّعى.

ولو ادعى المالك بقاء العين المغصوبة في يد الغاصب، وادعى الغاصب تلفَها، والتزم ضمانَ قيمتها، فقد اختلف الأصحاب في ذلك، فالذي ذهب إليه المحققون، وهو اختيار القفال، فيما حكاه شيخي عنه أن القول قولُ الغاصب، فإنا لو لم نصدقه مع يمينه، لأوجب ذلك تضييقاً عليه، لا نجد عنه مخرجاً، وقد يخلّد حبسه فيه، والتلف يجري بحيث لا يشعر به غيرُ الغاصب، سيما في الجواهر والأعيان الخفية.

ومن أصحابنا من اكتفى بظاهر الحال، وقال: الأصل بقاء العين حتى تقوم البينة على تلفها. وهذا القائل يحلِّف المالك، والصحيح ما اختاره القفال، والثاني مزيف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015