4615 - ثم وصل الشافعي بتصوير غصب العقار ذكْرَ تصرفاتٍ من الغاصب ونحن نستوعبها ونأتي عليها واحداً واحداً، إن شاء الله تعالى.

فلو غصب الرّجُل أرضاً، واحتفر فيها بئراً، فهو معتدٍ بحفر البئر، ولو تردّى فيها متردٍ، وجب عليه الضّمان، كما لو احتفر بئراً في مضيقٍ من الشارع. فإذا ثبت ذلك، ابتنى عليه، أنه يجب عليه طمُّ البئر وكبسُها (?)، ليخرج عن هذا الضرب من العدوان، فإذا استرد المغصوب منه الأرضَ، وأمر بكبس البئر، فقد تأكد ما ذكرناه من وجوب ذلك، وكان واجباً دون أمره؛ لعلةِ الخروج عن العدوان. وهو الآن واجب لعلتين: إحداهما - ما ذكرناه. والأخرى امتثال أمر المالك، على ما سنوضح في سياق الفصل تحقيقَ الفقه فيه.

ولو قال المالك: أمنعك من الكبس، لم يكن له ذلك؛ فإن في منعه إدامةُ سبب العدوان، وبقاءُ التعرض للضمان. ولو قال: رضيت بالبئر، فاتركها، فهل له أن يطمّ مع الرضا؟ فعلى وجهين مشهورين، ترجع حقيقتهما إلى أن رضا المالك بإدامة البئر هل تنزل منزلة رضاه بحفر البئر ابتداءً؟ ولا شك أن المالك لو رضي بحفر بئر في ملكه، وأذن فيه، أو أمر به، فلو تردّى متردٍّ فيها، لم يضمن المالكُ، ولا الذي تولى حفره. وهذا (?) مختلف فيه: فإن قضينا بأن الرضا بالدوام كالإذن ابتداءً بالحفر، فقد يمنع الغاصِب من الكبس. وإن قلنا: لا يكون الرضا بالدوام بمثابة الإذن بالحفر ابتداء، حتى لو قدر تردي متردٍّ، وجب الضمان، فعلى هذا يطم الغاصب البئر قطعاً لسبب العدوان، وخروجاً عن الضمان.

وهذه الصورة التي ذكرنا الخلاف فيها تمتاز عما قدمناه عليه من أن المالك لو منعه من الطمّ، لم يمتنع؛ فإن ذلك فيه إذا لم يتعرض للإذن، واحتفر على المنع. فأما إذا صرح بالرضا، فهو صورة الخلاف.

وذكر كثير من أئمتنا في الإذن الذي ذكرناه تقييداً، نحن نورده، فقالوا: لو رضي بالدوام، وأبرأه عن ضمان من يتردّى، ففي المسألة الوجهان. وذهب ذاهبون إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015