المنصوص عليهِ للشافعي هاهنا أن القول قول الراكب، ونص في كتاب المزارعة على أن مثل هذه الصورة لو جرت في أرضٍ، فزعم المنتفع بها أنه استعارها، وزعم مالكها أنه لم يُبح له منافعها، وإنما أجَّرها (?). قال: "القول قول المالك"؛ فاختلف أصحابنا في المسألتين على طريقين، فمنهم من قال: في المسألتين قولان، نقلاً، وتخريجاً: أحدهما - أن القول قول المنتفع في المسألتين. والقول الثاني - القول قول المالك في المسألتين.
ومن أصحابنا من أقر النصَّين (?)، وفرق بينهما بأن قال: استعارة الدابة معتادةٌ فقول (?) المنتفع ليس بعيداً عن الصدق، والأصل براءتُه عن الأجرة. وإعارة الأرض بديعة في العادة، غيرُ معتادةٍ، فالظاهر مع المالك في نفي الإعارة.
والصَّحيح طريقة القولين في المسألتين.
4507 - توجيه القولين: من قال: القول قول المنتفع، احتج بأن قال: إن المنتفع يقول: وافقتني أيها المالك في الإذن بالانتفاع، وادّعيت عليَّ وراء ذلك مالاً، والأصل براءة ذمتي منه.
ومن قال: القول قول المالك، احتج بأنه يقول: الإذنُ في الانتفاع لا ينافي التزامَ العوض، وأنت أيها المنتفع تدعي وراء الإذن عليَّ إباحةً مُحبطةً لمالي، فلا يقبل قولُك، وقد أتلفت المنافعَ، وهي متقومة في الشرع. هذا بيان القولين.
التفريع عليهما:
4508 - إن قلنا: القول قول المالك مع يمينه، فلا بد أن يتعرضَ في يمينه لنفي الإعارة؛ فإنه مدعًى عليه في العارية. ثم قال شيخي وطائفة من المحققين: لا يتعرض المالك لإثبات الإجارة، بل يقتصر على نفي الإعارة؛ فإنه إنما يحلف فيما يُدَّعى عليه، ولو حلف في إثبات الإجارة، لكان مدَّعياً حالفاً على إثبات دعواه، وهذا لا يسوغ إلا في القسامة.