ثم صدر الشافعيُ الكتاب ببيانِ مذهبه في أن العارية مضمونة على المستعير، خلافاًً لأبي حنيفة (?).
وحكى الشيخ أبو علي في الشرح قولاً عن الشافعي في الإملاء أن العارية أمانة لا يضمنها المستعير ما لم يتعدَّ فيها. وهذا قول غريبٌ، لا تفريع عليه، ولا عودَ إليه.
4497 - ثم إذا حكمنا بكون العارية مضمونة، لم نفصل بين الحيوان وغيره من الأعيان التي تستعار، واعتمد الأئمة في تثبيت الضّمان كونَ العارية مضمونةَ الرّد، وقالوا: مالٌ مضمون الرّد على المالك، فكان مضمون القيمة عند التلف، كالمأخوذ سوْماً.
وتحقيق ذلك أن الذي يجب ردّه، لو تلف تحت يد من يلزمه الرد، لم يلتزم بدلاً (?)؛ لأنا قيدنا الكلام بالمال (?)، وفقهه أن المال له بدل، فأمكن تضمين بدله، وهذا غير متصور فيما ليس مالاً. وما ألزموا والمال يستويان في إمكان الرد، فاستويا في مؤونة (?) الرد. وإن ألزمونا المستعيرَ من المستأجر يلزمه ردّ العارية، ولو تلفت في يده، لم يضمنها. قلنا: اختلف أصحابنا فيه. فقال بعضهم: على المستعير من المستأجر الضّمانُ. والصحيح أنه لا يضمن. وفي الطريقة احتراز عنه؛ فإنا قلنا: مال يجب رده على مالكه، والمستعير لا يلزمه الرد على المالك، ولا يتصور الضمان للمستأجر، فخرج على الفقه الذي ذكرناه، ثم يده متفرعة على يد أمانةٍ، فاستحال تقدير الضمان من غير عدوان. والعين المستأجرة إذا تلفت في يد المستأجر، لم تكن مضمونةً عليه، ولا محسوبة من ماله، والمال في يد مالكه إذا تلف، كان ذلك خسراناً حالاً محل ما يضمنه بالإخراج من ماله.