وهذا يظهر تخريجه من مسألة للشافعي في الكتابة؛ فإنه قال: إذا قال السيد لعبده: كاتبتك على ألف درهم، وبعت هذا العبد منك بألف، فقال العبد: قبلت الكتابة والبيع. قال الشافعي: لا يصح البيعُ؛ فإنه يستدعي ثبوت الكتابة أولاً، وقد جرى أحد شقي البيع قبل انعقاد الكتابة، ولا يصير العبد من أهل المعاملة مع مولاه ما لم تتم الكتابة، فيخرج منع الرهن على هذا خروجاً ظاهراً.
ثم قال: لو أردنا فصلاً بين الأصلين فقهياً، لم نجده إلا أن نتعلق بمصلحة العقد، فنقول: الرهن من مصلحة البيع، فإن نفذ مقترناً بالبيع، كان هذا لائقاً بالمصلحة؛ من جهة أن البائع ربما كان يطلب وقوع الاستيثاق بالرهن مع وقوع البيع، والوجه مزج العقد بالعقد كما ذكرناه. والبيع ليس من مصلحة الكتابة، فجرى فساد البيع على القياس الذي مهدناه.
وكان شيخنا أبو محمد لا يفرق بين أن يقول البائع: ارتهنت وبعت، أو يقول بعت وارتهنت. والأحسن أن نفصل بينهما كما ذكرناه.
فإن قيل: لمَ؟ وشق الرهن وقع قبل انعقاد البيع من الوجهين؟ فإذا كان كذلك فأي أثر لتقديم شق البيع أو شق الرهن؟ قلنا: قول القائل: بعت بألف، وارتهنت به، منتظم إلى أن يحكم بالصحة أو الفساد، وقوله: ارتهنت بألف وبعت، ليس له نظم صحيح؛ فإن الرهن يستدعي استئخاراً عن ذكر مرهونه، فيظهر الفرق في نظم العقد، وإن لم يظهر في الوجوب والثبوت.
فرع:
3523 - لو قال: بعتك هذه الدار بألف درهم، بشرط أن ترهنني ثوبك بالألف. فقال: اشتريت ورهنت. والتفريع على النص في الحكم بصحة الرهن. قال الأصحاب: يتم الرهن بما جرى، لأنه وجد من البائع استدعاء الرهن، فكان ذلك بمثابة الارتهان والتلفظ به.
قال القاضي: الذي عندي أنه لا بد من لفظ الارتهانِ، أو القبول من البائع بعد قول المشتري: رهنت؛ لأن الذي وجد منه شرط الإيجاب، وليس باستيجاب. وهذا يبتني على أن الاستيجاب في البيع والرهن هل يكون بمثابة القبول؛ فإذا قال الرجل: