وأصل الرهن مجمع عليه، وهو يشتمل على ركنين: مرهون، ومرهون به. أما المرهون، فلا يكون إلا عيناً، لأن الغرض من الرهن التوثيق، ولا يتوثق الدين بالدين، وهو مشبه بالهبة، من حيث إنه تبرع يفتقر إلى القبول. ثم الهبة تختص بالعين. ولو قال: وهبت منك ألف درهم ثم نقدها عن ذمته، وأقبض لم يصح، بخلاف ما لو باع ألفاً بألف، ثم نقدا وتقابضا قبل التفرق. هذا في المرهون.

وأما المرهون به، فلا يكون إلا ديناً؛ فإن الغرض استيفاء الدين من العين، عند فرض العسر. ولو كان المرهون به عيناً، فاستيفاؤها من المرهون محال، وهي متعينّة.

وفي ضمان الأعيان المضمونة كلام وتردد سنفرعه على قولي كفالة الأبدان من كتاب الضمان. وإذا جوزنا ضمان الأعيان المضمونة، فهو بتقدير ضمان قيمتها إذا تلفت، ولا يجوز الرهن بالعين على هذا التقدير في المذهب الظاهر؛ لأن الضامن لا ضرر عليه إذا امتد بقاء العين، فالذمة متسعة لالتزام الحقوق. ولو جاز الرهن على هذا التقدير، لجر ضرراً دائماً لا نهاية له؛ فإن العين التي يقدر الرهن بها ربما لا تتلف أبداً، فيبقى الرهن دائماً، ويطرد الحجر بدوامه.

فصل

قال الشافعي: " والدين حق، فيجوز الرهن به ... إلى آخره " (?).

3518 - قال الأصحاب: أراد حق لازم.

فنقول: قد تقدم أن المرهون به يشترط أن يكون ديناً. وغرضنا انحصار الرهن في قبيل الديون. وهذا الفصل يحوي تقاسيم الديون، فهي منقسمة ثلاثة أقسام: دينٌ لازم مستقر في الذمة، كالسلم، والقرض، والأروش، والأثمان، والمهور، والأجور، فيجوز الرهن بهذه الديون.

والقسم الثاني - دين لا يتصف باللزوم، ولا يُفضي إليه، وهو كنجوم الكتابة، فلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015