هذا الكتاب ثمرة صحبة طويلة لإمام الحرمين، أَرْبت هذه الصحبة على الأربعين عاماً، وهذه الصحبة لم تكن عن اختيار مني أو تدبير، بل العكس هو الصحيح، فقد كنت أُقدِّر لدراساتي وحياتي العلمية طريقاً غير هذا الطريق، ومَيْداناً غيرَ هذا الميدان، وفعلاً قدرتُ ودبرتُ، واخترتُ موضوعَ رسالتي للماجستير.
وبينا أنا في منزل أستاذي الدكتور مصطفى زيد أعرض عليه خُطة الموضوع، وكان به مُرحِّباً، إذ دق جرس الهاتف وأخذ أستاذي الدكتور مصطفى في محادثةٍ طويلة، عرفتُ منها أن الذي على الطرف الآخر هو أستاذُ أستاذي الشيخ محمد أبو زهرة، ولما طالت المحادثة، ووجد أستاذي أنه قد شُغل عن ضيفه كثيراً، أراد أن يجاملني، فقال للشيخ أبو زهرة: عندي فلان، وهو يقرئك السلام، ثم أردف: هنِّئه، غداً سنعرض موضوعَ رسالته على القِسْم، فسأل الشيخُ أبو زهرة عن الموضوع، وما إن أجابه الدكتور مصطفى حتى احتدَّ الشيخ أبو زهرة، وفهمت أنه يرفض الموضوع (?)، والدكتور مصطفى يدافع، ويقول: اطمئن يا أستاذنا، عبد العظيم من أولادنا، لا تخف، أنا أضمنه، إنه من المتحنثين [وكنت أسمع هذه الجملة أول مرة تجري في حديثٍ بين شخصين وعهدي بها أنها من ألفاظ الكتب والمعاجم].
ثم انتهت المكالمة. وراح الدكتور مصطفى في صمت، ولم يُقبل على ما كنا فيه من مراجعة خُطة الموضوع، ولما رأى في عيني التساؤلَ، قال: انتهى الأمر، نبحث عن موضوع آخر، وأُسقط في يدي، وظهر علي الضيق والألم، بل والغضب المتمرد، فقال الدكتور مصطفى مجيباً عن كل التساؤلات التي تمور بداخلي: أنا لا أستطيع أن أخالف أمر الشيخ أبو زهرة. ثم أجاب عن عدة أسئلة لم أتفوَّه بها: هو