وقد قال الشافعي: إن بلغنا أن طائفةً من المسلمين في جدب، فحسن أن نخرج ونستسقي لهم، وإن لم نَبْتلِ بما ابتلُوا به؛ فإن المسلمين كنفسٍ واحدة.
1628 - ولو سُقي المسلمون قبل اليوم المذكور لموعد الخروج، فقد سمعت شيخي أنهم يخرجون شاكرين، ويصلون ويقيمون ما ورد الشرع به، ويستديمون نعمةَ الله تعالى، ورأيت في الصلاة تردداً عن بعض الأصحاب، فأما استحباب الخروج، وذكر موعظة، فلا شك فيه، وسبب التردد أن الصلاة مخصوصة بالاستسقاء، وقد كُفي الناس.
وفي كلام الصيدلاني تردد ظاهر في صورة أخرى، تداني هذه، وهي أن الناس لو لم يُبْلَوْا بالجدب، ولكنهم أرادوا الخروج للاستزادة في النعمة، وأرادوا أن يصلوا صلاة الاستسقاء، فهل لهم أن يقيموا الصلاة؟ فعلى تردد حكاه.
1629 - ثم إذا فرغ الناس من الصلاة حيث نراها، فيتقدم الإمامُ ويخطب خطبتين كما يفعل في العيد، غيرَ أن الأوْلى أن يُكثر الاستغفار في الخطبتين، كما يُكثرُ التكبيرَ في يوم العيد، وسبب الأمر به قوله تعالى في سورة نوح: [10، 11] {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}.
ثم حكى الصيدلاني عن النص في (الكبير) أن كل واحدٍ من الحاضرين يُستحب له أن يُخطر بباله ما [جرى] (?) له في عمره من قُربة رآها خالصة لله تعالى، ويسأل الله السقيا عند ذكرها، وذِكْر الحديث المعروف في الذين انسد عليهم فمُ الغار، فتذكروا مثلَ ذلك في الحديث، فنجاهم الله، ثم يكون هذا سراً من غير إظهار؛ فإن ذلك في الجمع الكبير عسير، لا يفي الوقت به تناوباً، وإن ذكروا معاً، لم يُفد ذلك إلا لغطاً، والإسرار أجمل.
والمعتمد في الخطبتين ما رواه أبو هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مستسقياً، وصلى، وخطب خطبتين" (?). ثم الإمام يخطب خطبةً مستقبلاً للناس،