الشهادة، ولتكن الشهادة في ترجيح الثقة كالرواية في أصل الثقة.
والقائل الأول يقول: التعبد في الشهادات أغلب، بدليل أن العدل الواحد قد يعدل في الثقة جمعاً في الرواية لاختصاصه بمزيد التثبت والورع، ولا تقوم الحجة بقول عدل واحد في الشهادات.
وخرّج أصحابنا التفاوت في الورع والتثبت بين البينتين على وجهين، كما ذكرناه في التفاوت في العدد، وهذا قياس سديد كالرواية، فكانا في الجديد لا نلتفت إلى طرق الترجيح الجارية في الرواية، وفي القديم نتمسك بما يرجح الرواية.
ثم إذا كانت كل بينة بحيث لو انفردت، لاستقلت، ولو شهد عدلان من جانب، وهما على المنصب الأعلى في الثقة والتثبت، وشهد في مناقضتهم عشرة مثلاً من أوساط العدول، فيتعادل الورع ومزية التثبت مع زيادة العدد، ويجب على القاضي أن ينظر بينهما نظر المجتهد بين خبرين يُرويان على هذا الوجه، إذا فرعنا على القديم.
وأما إذا فرعنا على الجديد، فلا حاجة إلى هذا.
وقد أطلق الأصحاب أقوالهم بأن الرجلين الشاهدين في معارضة الرجل والمرأتين، وليس يبعد عندي إذا فرّعنا على القديم أن نرجح الرجلين؛ بدليل أن من أقام رجلاً شاهداً وحلف معه في المال أمكنه ذلك، ولو أقام امرأتين وأراد أن يحلف معهما لم يجز.
والذي بقي في الفصل فرضُ بيّنتين من خارج وداخل، مع اختصاص إحداهما بما يقع الترجيح به تفريعاً على القديم، فإذا فرعنا عليه نظرنا؛ فإن كان ما يوجب الترجيح في بينة صاحب اليد، فلا إشكال؛ فإن بينته رجحت باليد وغيرها، وإن كان في جانب الخارج كثرة في الشهود، أو اتصاف بمزية الورع، فقد اختلف أصحابنا -والتفريع على القديم- فمنهم من يحكم باستواء البينتين لاعتضاد إحداهما باليد، واختصاص الأخرى بالمزية التي ذكرناها.
ومن أصحابنا من قدّم اليد على كل ترجيح؛ فإن اليد مشاهدةٌ محسوسة، والأسباب التي يقع الترجيح بها غايتها مزيد تغليب ظن في أمر لا يُحسّ، وذلك مفرع على الترجيح.