وإن ادعى المدعى عليه تحليف الخصم إياه عند قاضٍ آخر، فهل يسمع قول المدعى عليه؟ فعلى وجهين: أحدهما - يسمع هذا منه، لأن المدعي لو أقر به، لانتفع المدعى عليه، وتخلص من الخصومة. والثاني- لا تسمع، لأنه ليس بحقٍّ يدعيه. وقد ذكر الوجهين أبو سعيد الإصطخري، فإن قلنا: يُسمع، فإن كان للمدعى عليه بينة أقامها عليه، وتخلص من هذه الخصومة، وإن لم تكن له بينة، فالقول قول المدعي: يحلف بالله ما حلّفه، فإن حلف، فذاك، وإن نكل، حلف هو، وتخلص عن الخصومة.

ولو قال المدعى عليه -والتفريع على سماع الدعوى في ذلك- أمهلوني لأقيم البينة، قال القاضي: القياس أن يمهل ثلاثةَ أيام، قياساً على الاستمهال في نظائر ذلك، قال: ولكني أقول: لا نمهله أكثر من يوم واحد؛ فإنه يشبه المراوغ المتعنت.

وهذا الذي ذكره غير لائق [بفقهه] (?)، فإن القياس إن صح، فلا يدافع بمثل ذلك. نعم، يتجه أن نقول: لا نمهله أصلاً؛ لأن اليمين متوجهة عليه في أصل الخصومة، وهو يريد أن يدرأها باحتيال واستمهال، وليس كالمدعي إذا ردت عليه اليمين، فاستمهل؛ فإنه صاحب الحق، واليمين حجته، ولا طلبة عليه، وإنما الإشكال في أن المدعي كيف يصح نكوله عن يمين الرد، كما قدمنا ذكر ذلك، والمدعى عليه مطالب باليمين، وهو بما يذكره من إقامة البينة مدافع ليمينٍ توجهت عليه.

فرع:

12113 - إذا ادعى رجل مالاً على رجل، وصحت دعواه فيه، فقال المدعى عليه: قد أبرأني عن هذه الدعوى، قال الإصطخري: هذه الدعوى مسموعة، وقال القفال: لا تسمع، وكان القفال يقول: إنما يستقيم هذا على أصل أبي حنيفة (?)، حيث يجوّز الصلح مع الإنكار، فأما على أصلنا، فلا يصح، لأنه ادعى الإبراء مما لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015