فأما تعليم الخواص فواضح، وأما تعليم السمات أي: العلامات فتقريره من وجهين أحدهما: أن هذه الأشياء علامات دالة على تلك الحيوانات, فإنه يعرف بمشاهدة الحرث مثلا كونه من البقر, فإذا علمه هذه الأشياء فقد علمه سمة على الذوات أي: علامة عليها. الثاني: أن الله تعالى علم آدم علامات ما يصلح للكر والفر، وعلامات ما يصلح للحمل، وغير ذلك حتى إذا شاهد صفة ما يصلح للحمل في ذات استعملها في الحمل إذا تقرر هذا, فنقول: يصح إطلاق الاسم على ما ذكرناه؛ لأن الاسم مشتق من السمة أو من السمو, وعلى كل تقدير فكل ما يعرف ماهية ويكشف عن حقيقة يكون اسما؛ لأنه اشتق من السمة, فواضح وإن اشتق من السمو فالعلو أيضا موجود؛ لأن الدليل أعلى من المدلول، وأما تخصيص الاسم باللفظ المصطلح عليه فعرف حادث, والضمير في عرضهم للمسميات لتغليب من يعقل، أي: عرض المسميات على الملائكة وامتحنهم على أسمائها، أي: ألفاظها، كما قال الأشعري: أو صفاتها كما أوله المصنف غيره، وعلى كل حال فليس في المضمر دلالة على شيء مما نحن فيه. الثاني: سلمنا أن الأسماء هي اللغات, لكن يجوز أن تكون تلك الأسماء التي علمها الله تعالى آدم قد وضعتها طائفة خلقهم الله تعالى قبل آدم، فلم قلتم: إنه ليس كذلك؟ وفي المحصول جواب ثالث, وهو أنه يجوز أن يكون المراد من التعليم إلهام الاحتياج إليها وإقدارا على الوضع وفي الأحكام جواب رابع، وهو أن ما تعلمه آدم يجوز أن يكون نسيه ثم اصطلحت أولاده من بعده على هذه اللغات والكلام إنما هو فيها، والجواب عن الثاني وهو الذم في قوله تعالى: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23] : إنا لا نسلم أن الذم على التسمية, بل على إطلاقهم لفظ الإله على الضم, مع اعتقادهم أنها آلهة, إذ اللات والعزى ومناة أعلام على أصنام, فقرينة اختصاصها بالذم دون سائر الأسماء دليل عليه, ولأن هذه أعلام منقولة وليست بمرتجلة, فلا ذم في التسمية لها على القول بالتوقيف كالحارث وشبهه لعدم ارتجالها. والجواب عن الثالث, وهو قوله تعالى: {وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ} [الروم: 22] : أنه إذا انتفى أن يكون المراد الجارحة كما تقدم، وأن المراد إنما هو اللغات مجازا, فليس محل الامتنان على وضعها حتى يلزم التوقيف بأولى من حمله من الإقدار، إما على ضعها أو على النطق بها فكل منهما آية، وحينئذ فالتوقف يعارضه الإقدار فإن قيل: حمله على الوضع أولى؛ لأنه أقل إضمارا قلنا: لا إضمار هنا أصلا فافهمه، بل حاصله أن الامتنان دل بل لازمه على أن البارئ تعالى له تأثير في اللغات، إما بالوضع أو بالإقدار، والجواب عن الرابع: أنا لا نسلم أنها لو كانت اصطلاحية لاحتاج في تعليمها إلى اصطلاح آخر, بل يحصل التعليم بترديد اللفظ، وهو تكراره مرة بعد مرة على القرائن كالإشارة إلى المسمى ونحوها, وبهذا الطريق تعلمت الأطفال، والجواب عن الخامس: أنا لا نسلم ارتفاع الأمان عن الشرع؛ لأن التعبير لو رفع لاشتهر ووصل إلينا؛ لكونه أمرا مهما فعدم