والإمام في المحصول في الكلام على القياس في اللغات كما ستعرفه، قال الآمدي: إن كان المطلوب هو اليقين فالحق ما قاله القاضي، وإن كان المطلوب هو الظن وهو الحق، فالحق ما قاله الأشعري لظهور أدلته، واستدل المصنف عليه بالمنقول والمعقول؛ فأما المنقول فثلاثة، الأول: قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] إلى آخر الآية, على أن آدم لم يضعها ولا الملائكة فتكون توقيفية، أما آدم فلأنه تعلم من الله تعالى، وأما الملائكة فلأنهم تعلموا من المراد بالأسماء إنما هو الألفاظ الموضوعة بإزاء المعاني، وذلك يشمل الأفعال والحروف والأسماء المصطلح عليها؛ لأن الاسم سمي بذلك لأنه سمة أي: علامة على مسماه، والأفعال والحروف كذلك، وأما تخصيص الاسم ببعض الأقسام فإنه عرف النحويين واللغويين، سلمنا أن الاسم بحسب اللغة يختص بهذا القسم لكن التكلم بالأسماء وحدها متعذر، سلمنا أنه غير متعذر لكن ثبت أن الأسماء توقيفية, فيثبت الباقي إذ لا قائل بالفرق. الثاني: أن الله سبحانه وتعالى ذم أقواما على تسميتهم لبعض الأشياء من غير توقيف، فقال: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} فثبت التوقيف في البعض المذموم عليه، ويلزم من ذلك ثبوته في الباقي, وإلا يلزم فساد التعليل بكونه ما أنزله. الثالث: قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ} [الروم: 22] ووجه الدلالة أن الله سبحانه وتعالى قد امتن علينا باختلاف الألسنة وجعله آية، وليس المراد باللسان هو الجارحة اتفاقا؛ لأن الاختلاف فيها قليل, ثم إنه غير ظاهر بخلاف الوجه ونحوه, فتعين أن يكون المراد باللسان هو اللغة مجازا, كما في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] وحينئذ فنقول: لولا أنها توقيفية لما امتن عليها بها، وأما لمعقول فأمران أحدهما: أنها لو كانت اصطلاحية لاحتاج الواضع في تعليمها لغيره إلى اصطلاح آخر بينهما، ثم إن ذلك الطريق أيضا لا يفيد لذاته، فلا بد له من اصطلاح آخر، ويلزم التسلسل. واعلم أن هذا التقرير هو الصواب، وهو كما أتى به المصنف، ومن الشارحين من يقرره بتقرير ذكره في المحصول على وجه آخر, فنقلوه إلا ههنا فاجتنبه، نعم هذا الدليل لا يثبت به مذهب الأشعري، وإنما يبطل به مذهب أبي هاشم وأتباعه خاصة فاعرف ذلك. والثاني من المعقول: أن اللغات لو كانت اصطلاحية لجاز التغيير فيها, إذ لا حجر في الاصطلاح وجواز التغيير يؤدي إلى عدم الأمان والوثوق بالأحكام التي في شريعتنا, فإن لفظ الزكاة والإجازة وغيرهما يجوز أن تكون مستعملة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لمعانٍ غير هذه المعاني المعهودة الآن, وقد علمنا من هذا أن فائدة الخلاف في التغيير. قوله: "وأجيب" شرع في الجواب عن أدلة الشيخ الخمسة، فأجاب عن الأول وهو قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] بوجهين, أحدهما: لا نسلم أن المراد بالأسماء في الآية في اللغات, بل يجوز أن يكون المراد بالأسماء سمات الأشياء وخصائصها كتعليم أن الخيل تصلح للكر والفر, والجمال للحمل، والثيران للزراعة.